5.13.15-English.Collage
الأميركيون الناجحون، العاملون بجهد مثل الطبيبة م. ناتالي آتشوتغ والمحامي ريتشارد بيلين (إلى اليسار)، يشكلون نقيضًا صارخًا لشخصية الرسوم المتحركة هومر سيمبسون الشخصية الأميركية النمطية، إلى اليمين. (State Dept.)

تقع أحداث مشهدنا الافتتاحي في روما، في الصباح الباكر، في أواخر أيام فصل الصيف، وذلك في قاعة الفطور بفندق معتدل الأسعار يقدم خدماته للسياح، ويبعد مسافة رمية حجر عن البانثيون (الصرح الذي يضم أضرحة عظماء الأمة).

النوادل، وهم مواطنون من الفليبين، يحومون في القاعة بستراتهم البيضاء في حين يتناول ضيوف الفندق- ومعظمهم أفراد أسر من المملكة المتحدة وفرنسا واليونان وإسبانيا- فطائر الكروسان والحلويات ويحتسون عصير الفاكهة، محافظين على عدم اكتراث مهذب تجاه بعضهم البعض في مواقع خصوصيتهم. كل شيء ينم عن كفاءة وجدارة، وبأصوات خافتة ملائمة لتلك الساعة المبكرة من الصباح.

ثم ينفتح باب المصعد، وها هو يظهر منه.

إنه رجل ضخم جداً، ليس بدينا بالضرورة، ولكنه مفتول العضلات وطويل القامة. يبدو بأنه قد حاول أن يستجمع نفسه، ولكن من دون نجاح كبير. شعره يتحلق في جميع الاتجاهات. وتفشل كل محاولة يقوم بها لتسويته بيديه الثخينتين.

أطراف قميصه من الوراء تسحب نفسها من سرواله المرفوع إلى الأعلى بمقدار بوصتين أكثر من اللازم. جواربه القصيرة بيضاء اللون وتتدلى من مكانها.

يقترب من أحد النوادل ويصافحه بقوة.

ويقول بتردد، “سمعت أن هناك بوفيه (مائدة طعام مفتوحة للحضور) لطعام الفطور المجاني هنا”. وبالطبع قال ذلك باللغة الإنجليزية، دون أن يخطر بباله أنه ربما يتكلم لغة أجنبية وهو في روما….

وتابع قائلاً، “أنا من مينيابوليس. لقد وصلنا إلى هنا للتو أنا وزوجتي. رحلة طويلة بالطائرة. قلت لها إنني سأجلب لها فطيرة بالعنبية. هي لم تنم طوال يوم كامل. نحن من مينيابوليس.”

يوجهه النادل نحو البوفيه.

يتابع بصوت هادر، “أين هي الفطائر بالعنبية؟” مشرئباً بعنقه ويجول ببصره على أنواع الخبز وأطباق الفاكهة. “إنها حقاً جائعة. لقد قدمنا بالطائرة للتو. من مينيابوليس.”

Richard Beilin, at left, is a New Jersey-based lawyer who drafts ordinances to help local towns govern themselves. Like most Americans, he's civic-minded and family-oriented — and he's nothing like Homer Simpson. (Jill Walker/AP Images/State Dept.)
ريتشارد بيلين، إلى اليسار، هو محامٍ مكتبه في ولاية نيو جيرسي يضع نصوص قوانين لمساعدة البلدات المحلية في تنظيم نفسها. ومثله مثل معظم الأميركيين، لديه اهتمام بمسائل المجتمع المدني – وهو لا يشبه أبدًا شخصية هومر سيمبسون (Jill Walker/State Dept.)

ويستمر في الثرثرة، معبراً عن دهشته، دون أن يبدي أي استياء، لعدم وجود فطائر بالعنبية- “كيف يمكنكم تناول الفطور بدون فطائر بالعنبية؟”، يتساءل بصوت عالٍ- ثم يعبر عن دهشته لعدم وجود خبز البيغل، والجبنة القشدية التي تحتوي قطع خضار. يذكر أنه سافر جوا طوال ساعات الليل، من مينيابوليس، حيث يقطن، وزوجته أيضاً.

استدارت جميع عيون الموجودين نحوه الآن.

محاولاً إخفاء استيائه ملأ صحنين من البلاستيك بما تمكن غنيمته من الطعام، وأمسكهما بذراعيه. وإذ أراد أن يقدم تحديثا نهائيا، يعلن، بصوت عالٍ، أنه سوف يأخذ الطعام إلى فوق، إلى زوجته، التي سافرت بالطائرة، بدون أن تعرف طعم النوم، طوال الليل. من مينيابوليس.

ويصيح، “نهاركم سعيد”، بينما باب المصعد ينغلق، في الوقت المناسب تماماً لتجنب سماع الضحكات الهازئة من الضيوف الآخرين. ترفع طفلة عينيها عن قطعة خبزها المحمص المدهون بالزبدة.

وتقول “أميركي! دوه!”، وكانت بذلك تقلد شخصية هومر سيمبسون الكاريكاتورية، فتضج أصوات الضحك في حجرة الفطور.

منذ أن شاهدت ذلك يحدث في الصيف الماضي، لم يمضِ عليّ أسبوع واحد دون أن أتذكر هذه اللوحة المعولمة، أحياناً باستمتاع، وأحياناً باشمئزاز شديد.

يتذكر كل مواطن من الولايات المتحدة جملة “الأميركي البشع”، التي أُخذت من كتاب حقق أفضل المبيعات وفيلم سينمائي شعبي أنتج في أوائل الستينيات من القرن العشرين، ولكن عندما أتذكر الرجل القادم من مينيابوليس الذي كان يبحث عن الفطيرة، أتساءل إن كانت صورة الأميركي البشع قد حلّت محل صورة كاريكاتورية أخرى: ليست شريرة ولكنها غير موفقة، ليست فظة ولكن عالية الصوت، غير مصقولة، ولكنها نوع من شخصية الأبله، المهرج.

لقد استبدلنا الصورة النمطية بأخرى- أو بعدة صور، ولكنها بنفس القوة ومخطئة بالقدر ذاته.

قال الرئيس أوباما أمام جَمْع من طلاب الجامعات في اسطنبول العام 2009، “أعرف أن هناك صورا نمطية عن الولايات المتحدة، وأعرف أنه يتم الحصول على العديد من هذه الصور ليس من خلال التبادل المباشر أو الحوار، بل من خلال البرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية المضللة.”

هذه المقالة والأوصاف الأربعة لأميركيين حقيقيين هي جهد لتصحيح بعض الانطباعات الخاطئة. كثيراً ما يُضلَّل العالم، كما قال الرئيس أوباما، بحيث يرى الولايات المتحدة من خلال الأيقونات التي أنتجتها ثقافتها الشعبية- وهذا يعني هومر سيمبسون– ولكن يمكن دحض هذه الأيقونات والصور النمطية من خلال تعريضها إلى تلك المادة المعقِمة العالمية، الحياة الحقيقية.

هناك حقيقة واحدة، لا يمكن التغاضي عنها، وهي أن صورة هومر سيمبسون، على غرار معظم الصور النمطية الأكثر فعالية، تحتوي على نواة من الحقيقة. دعونا نعترف بأن رجلنا الثرثار القادم من مينيابوليس في روما، يشبه زوج مارج سيمبسون الثمل من مشروب البنش. لكن إذا كان يشبه، بأي شكل من الأشكال، زملاءه المواطنين، فإن الذين كانوا يتناولون طعام الفطور آنذاك لم ينتبهوا إلى الكثير من المعلومات حوله من خلال الاكتفاء بوضعه في صورته النمطية.

وما لم يشاهدوه– إذا أخذنا بضعة أمثلة– كانت الساعات التي يمكن أن يتبرع بها هذا الرجل للخدمة في نادي الليونز في وطنه (خصص الأميركيون حوالى 7.7 بليون ساعة للخدمة التطوعية في العام 2014)، أو لتعليم طلاب مدرسة الأحد في الكنيسة كل أسبوع (أكثر من نصف الأميركيين يرتادون بانتظام أماكن العبادة)، أو المال الذي تبرع به لإبقاء مطبخ تقديم الطعام المجاني المحلي يعمل (تبرع الأميركيون بأكثر من 335 بليون دولار للأعمال الخيرية في العام 2014- نعم، 335 بليون دولار من المال وليس أشياء تافهة).

أو دعونا نتأمل بحقيقة برنامج باي واتش التلفزيوني. من الممكن القول إنه أكثر البرامج التلفزيونية شعبية في التاريخ، وبالأخص لأنه يبين التنوع الكبير في العلاقات العاطفية التي قد يقع في شراكها أصحاب الأجسام الرياضية وهم يثبون بملابس السباحة التي بالكاد تغطي أجسادهم.

هناك بصيص من الحقيقة في هذه الصورة الكاريكاتورية. بإمكان أي شخص يزور شاطئًا أو مسبحًا أميركيًا أن يشهد نشاط وحماس حراس الشواطئ الذين ينقذون السبّاحين من الغرق. ولكن بما يتجاوز هذا البصيص (والسحر) هناك الحقيقة المثيرة للإعجاب أكثر بكثير لتلك المهنة بالذات، التي تُقدر المغامرات الدراماتيكية بقدر أقل بكثير من منع حدوثها.

تتطلب مهنة إنقاذ السبّاحين قضاء ساعات مرهقة من التدريب الشاق على مجموعة مذهلة من المهارات، بدءًا من التجذيف إلى تسلق الصخور، والتي تهدف دائماً في نهاية الأمر إلى المحافظة على الحياة البشرية. أما الوثب فهو اختياري.

وبالنسبة لكثيرين من الأميركيين، إنها لا تتعلق بالمال.

أمام الطلاب في اسطنبول، أعرب الرئيس أوباما عن أسفه لكيف أن الثقافة الشعبية كثيرًا ما تصف الأميركيين بأنهم “أنانيون ومبتذلون”. وأضف إلى ذلك قدراً كبيرًا من ظاهرة تعدد العلاقات الغرامية، فإنك ستحصل على وصف دقيق للمهنيين المشهورين الأميركيين، أو المحامين في البرنامج التلفزيوني “بوسطن ليغال(Boston Legal) أو الأطباء في برنامج “غريز أناتومي(Grey’s Anatomy).

بيد أن ذلك لا يشبه أبدا الحياة التي عاشها ريتشارد بيلين الذي قرر التخلي عن العمل براتب ضخم في الشركات ليصبح محامياً في مدينة صغيرة في موريستاون بولاية نيوجرسي. أو الحياة التي عاشتها الطبيبة أم. ناتالي اشونغ، وأصلها من منطقتي كوينز وبروكلين في مدينة نيويورك، التي عملت في مستشفيات متخصصة بخدمة الفقراء بينما كانت تربي طفليها بمفردها.

تقول اشونغ: “أشعر بأن هناك رسالة أسمى تدعو للعمل وتقديم أفضل الخدمات الطبية إلى أولئك الذين قد لا يستطيعون تحمل كلفة الأطباء الأكفاء”. وتضيف، “الأمر لا يتعلق فقط بجمع المال.”

Dr. M. Natatlie Achong, left, an obstetrician and gynecologist, is devoted to providing high-quality health care to disadvantaged women in Bridgeport, Connecticut. (Seth Harrison/AP Images/State Dept.)
الدكتورة م. ناتالي آتشوتغ وهي طبيبة في مركز سانت فنسنت الطبي بمدينة بريدجتاون، كونيتيكوت، كرست حياتها لمساعدة المرضى المعوزين من الأقليات الذين لا يتاح لهم سوى وصول محدود لرعاية طبية ذات جودة. (Seth Harrison/State Dept.)

قد يوافق على ذلك معظم الأميركيين- الأطباء أو المحامون، عازفو الكمان أو المنقذون على الشواطئ، سواء كانوا مولودين هنا أو كانوا مواطنين أكثر حداثة.

تقوم كاثرين كونده، التي جاء والداها من السلفادور قبل وقت قصير من ولادتها، بإثراء حياتها المملوءة بوظيفتين وبعمل في المدرسة، من خلال التزامها بالعمل في خدمة المجتمع الأهلي. وهي تعترف بحيرتها بالنسبة لأيقونات المراهقين الأميركيين الذين تراهم يتخبطون عبر منهاتن الخيالية في برنامج “غوسيب غيرل(Gossip Girl) التلفزيوني، كمصاصة الدماء بلير والدورف أو المفترسة سيرينا فان دير وودسن.

تقول كاثرين، التي لديها أعمال أخرى أفضل لتقوم بها، “في هذه البرامج، يبدو بأن جميع الفتيات يركزن اهتمامهن على الجزء الاجتماعي من حياتهن.” هناك إسداء المشورة للطلاب في مخيم النوم بعيدًا عن البيت، والتطوع لتعليم زملاء الصفوف المدرسية، وتنظيم نشاطات لتقديم الهدايا إلى الأطفال الفقراء. يا بلير وسيرينا، اتصلوا بالطبيب النفساني الذي يعالجكما.

سوف تجد في كل مكان تقريبًا في أميركا مفاجأة مثل كاثرين – مفاجأة على كل حال بالنسبة للذين كانوا يتوقعون أفرادا مثل سيرينا وبلير، والذين قيَّموا الثقافة الأميركية من خلال رموز أو أيقونات الثقافة الشعبية التي ولدتها، أحياناً بنتيجة حسنة ولكن في غالب الأحيان بنتائج سيئة. من خلال الأيقونات، يرى العالم نوعاً مختلفاً تماماً من الأميركيين: يرى أناسا مغرورين ومفرطي النشاط الجنسي، بُخلاء ومهووسين بأنفسهم، ميالين لارتكاب أعمال العنف، وغرباء الأطوار قليلاً.

لقد حان الوقت الآن لفضح زيف صورة تلك البلاد الخيالية.

الأميركيون الذين وصفوا في هذا المقال هم صور اقتبست من الحياة وليسوا صورًا كاريكاتورية مضخمة تأتي من علم الغيب، وسوء الحكم، والطرائف المشوهة. وما يمثلونه هو أقل إثارة، وأكثر واقعية، وفي النهاية أكثر إثارة للمشاعر، وأكثر إنسانية.

إن أميركا بلاد يقطنها أناس حقيقيون هم في نفس الوقت كبيرو القلب، يعملون بجد، مجتهدون، خياليون، يتأثرون بما يشعر به إخوتهم، وبوجه إجمالي رائعون- حتى ولو ذهبنا، مرة  لنبحث، بصوت عال جداً، عن فطائر عنبية في جميع الأماكن الخاطئة.

هذا المقال – والأوصاف العامة للأميركيين الحقيقيين التي ترتبط به- مستمدة من كتاب “الثقافة الشعبية مقابل أميركا الحقيقية، الذي نشره مكتب برامج الإعلام الخارجي.

كاتب المقال  أندرو فيرغسيون محرر رئيسي في المجلة الأسبوعية”ويكلي ستاندرد. وصاحب عمود في وكالة بلومبرغ للأنباء. من بين مؤلفاته الأخرى كتاب “ارض لنكولن: مغامرات في أميركا ابراهام”.