في ما يلي نص الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس أوباما في 7 آذار/مارس، 2015 بمناسبة إحياء الذكرى السنوية الخمسين للمسيرات التي انطلقت من مدينة سِلما إلى مدينة مونتغمري في سبيل دعم الحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة. وقد جوبهت تلك المسيرات بردّ عنيف من رجال الشرطة، وأصبح يوم 7 آذار/مارس يعرف باسم “الأحد الدموي”. وفي ذلك التاريخ، تعرّض الزعيم الأهلي جون لويس للضرب المبرّح. ذلك العنف الدموي في مدينة سِلما صدم الأمة الأميركية وساهم في إقرار قانون حقوق التصويت في وقت لاحق من ذلك العام. أما جون لويس فهو اليوم عضو في مجلس النواب الأميركي.

الرئيس أوباما: إنه لشرف نادر في هذه الحياة أن تتبع خطى أحد أبطالك. وجون لويس هو أحد أبطالي.

والآن، علّي أن أتصور أنه عندما استيقظ الشاب جون لويس في ذلك الصباح قبل 50 عامًا من هذا اليوم وتوّجه إلى كنيسة براون، لم تكن البطولات تراود ذهنه. لم يكن مثل هذا اليوم يدور في خلده. كان الشبان الذين يحملون لفائف النوم والحقائب على ظهورهم يجوبون المكان. وكان الأعضاء القدامى في الحركة يدرّبون القادمين الجدد على الأساليب اللاعنفية، الطريقة الصحيحة لحماية نفسك عندما تتعرض للهجوم. ووصف أحد الأطباء ما تفعله الغازات المسيلة للدموع بالجسم، في حين قام المتظاهرون بتسجيل التعليمات للاتصال بأحبائهم. كان الهواء مثقلاً بالشك، والترقب، والخوف. وكانوا يعزّون أنفسهم بغناء المقطع الأخير من نشيدهم النهائي:

“مهما كان الاختبار وكانت المحن، فإن الله سوف يرعاكم.

اتكئوا، أيها المنهكين، على صدره، والله سوف يرعاكم”.

وعقب ذلك، قادهم جون لويس، الذي كان يحمل حقيبة ظهر وضع فيها تفاحة وفرشاة أسنان وكتابًا حول نظام الحكم وكل ما يحتاج إليه لقضاء ليلة وراء القضبان، إلى خارج الكنيسة في مهمة لتغيير وجه أميركا.

الرئيس أوباما يعانق عضو الكونغرس جون لويس بعد أن قدّمه لويس للحشود. (White House/Pete Souza)

الرئيس والسيدة بوش، والحاكم بنتلي، ورئيس البلدية ايفانز، وعضو الكونغرس سويل، والقس المحترم سترونغ، وأعضاء الكونغرس، والمسؤولين المنتخبين، والجنود المشاة، والأصدقاء، وأبناء الشعب الأميركي:

كما لاحظ جون، هناك أماكن وأنصبة تذكارية في أميركا قد جرى فيها تقرير مصير هذه الدولة. والعديد منها هي مواقع حربية- كونكورد وليكسينغتون، وأبوماتوكس، وغتيسبرغ. وهناك بعض المواقع الأخرى ترمز إلى الشيم الجسورة والجريئة لأميركا- قاعة الاستقلال، وسينيكا فولز، وكيتي هوك، وكيب كانافيرال.

وسِلما هي واحدة من هذه الأمكنة. ففي فترة ما بعد ظهر أحد الأيام قبل 50 عامًا خلت، اجتمع قدر هائل من تاريخنا المضطرب- وصمة عار العبودية وغضب الحرب الأهلية، نير التمييز العنصري وطغيان قانون جيم كرو، موت أربع فتيات صغيرات في برمنغام وحلم واعظ معمداني- اجتمع كل ذلك التاريخ على هذا الجسر.

لم يكن الأمر صدامًا بين جيشين، إنما كان صراعًا بين الإرادات. كان نزاعًا لتحديد المعنى الحقيقي لأميركا. وبفضل رجال ونساء مثل جون لويس، وجوزيف لوري، وهوشع وليامز، وأميليا بوينتون، وديان ناش، ورالف أبيرناثي، سي تي فيفيان، وأندرو يونغ، وفريد شاتلزوورث، والدكتور مارتن لوثر كينغ الإبن، والكثير غيرهم، انتصرت في نهاية المطاف فكرة أميركا، أميركا العادلة، وأميركا الحاضنة للجميع، وأميركا الكريمة.

وكما هو الحال عبر مختلف أنحاء المشهد التاريخي الأميركي، لا يمكننا دراسة تلك اللحظة بصورة منعزلة عن غيرها. كانت المسيرة من سِلما جزءًا من حملة أوسع نطاقًا امتدت لتشمل أجيالاً عديدة. إذ شكل قادة ذلك اليوم جزءًا من سلسلة طويلة من الأبطال.

ونحن نجتمع اليوم هنا لتكريمهم. نجتمع هنا لتكريم شجاعة الأميركيين العاديين الذين كانوا على استعداد لتحمّل ضربات الهراوات والقضبان المؤلمة، والغازات المسيلة للدموع، ودوس حوافر الخيل. رجال ونساء ظلوا صادقين لنجمة الشمال، واستمروا بالسير باتجاه العدالة، على الرغم من الدماء النازفة والعظام المكسورة.

لقد قاموا بما علّمهم إياه الكتاب المقدس: “افرحوا في الرجاء، احتملوا في الضيق، واظبوا على الصلاة”. وخلال الأيام التي تلت ذلك، عادوا مرة تلو المرة. عندما ارتفع صوت النفير داعيًا الآخرين للانضمام، لبّى الناس النداء– سود وبيض، شباب وكهول، مسيحيون ويهود، يلوّحون بالعلم الأميركي وينشدون نفس الأناشيد يغمرهم الإيمان والأمل. قال الصحفي الأبيض الذي غطّى أخبار المسيرات آنذاك، بيل بلانت، الموجود معنا اليوم، مازحًا إن العدد المتزايد للناس البيض قلّل من جودة الغناء. ولكن بالنسبة لأولئك الذين شاركوا في المسيرة، فلم تكن تلك الترانيم الدينية من العهد القديم أكثر عذوبة مما كانت عليه ذلك اليوم.

ومع مرور الوقت، تعالت أصوات هؤلاء المنشدين لتصل إلى الرئيس جونسون. فكان له أن أرسل من يحميهم، وتحدث إلى الأمة، مرددًا صدى ندائهم لتسمعه أميركا وليسمعه العالم: سوف ننتصر. “ما أعظم هذا الإيمان لدى هؤلاء الرجال والنساء. الإيمان بالله، ولكن أيضًا الإيمان بأميركا.

“لن تبقى بلادنا هي نفسها على الإطلاق بسبب ما حدث على ذلك الجسر. … لا يزال هناك عمل ينبغي القيام به. اخرجوا إلى هناك، وادفعوا وشدّوا إلى أن نتمكن من منح الخلاص لروح أميركا.”– النائب جون لويس

لم يكن الأميركيون الذين عبروا هذا الجسر، يتمتعون بهيبة جسدية. ولكنهم أعطوا الشجاعة للملايين. لم يكونوا يشغلون مناصب منتخبة. ولكنهم قادوا أمة. وساروا كأميركيين عانوا طوال مئات السنين من العنف الوحشي والإهانات اليومية التي لا تعد ولا تحصى- ولكنهم لم يطالبوا بمعاملة خاصة، إنما بمجرد المعاملة المتساوية التي وُعدوا بها قبل قرن من الزمن تقريبًا.

وما فعلوه هنا سوف يتردد صداه عبر العصور؛ ليس لأن التغيير الذي حصل كان قدرًا محتمًا. وليس لأن انتصارهم كان كاملاً، إنما لأنهم أثبتوا أن التغيير اللاعنفي أمر ممكن، وأن هذا الحب والأمل يستطيعان قهر الكراهية.

وبينما نحن نحتفل بذكرى انجازهم، يجدر بنا أن نتذكر أنه في وقت المسيرات، قام العديد من الذين كانوا في السلطة آنذاك بإدانتهم بدلاً من الثناء عليهم. ففي ذلك الوقت، كانوا يوصفون بالشيوعيين، أو ذوي السلالات المختلطة، أو المحرّضين من الخارج، أو المنحطّين جنسيًا وأخلاقيًا، وحتى أسوأ من ذلك– كانوا ينعتون بكل شيء ما عدا الاسم الذي أعطاهم أهلهم إياه. كان إيمانهم محط تساؤل. وكانت حياتهم مهدّدة، وكانت وطنيتهم معرّضة للطعن فيها.

ومع ذلك، ما الذي يمكن أن يكون أميركيًا أكثر مما حدث في ذلك المكان؟ ما الذي يمكن أن يدافع بعمق عن فكرة أميركا أكثر من أولئك الناس العاديين المتواضعين– غير المشهورين، والمضطهدين، والحالمين ليس بتولي مراكز عالية، لم يولدوا أثرياء أو أصحاب امتياز، وليسوا من مذهب ديني واحد، إنما من العديد، احتشدوا سوية لتشكيل مسار لبلادهم؟

القس مارتن لوثر كينغ جونيور، في الوسط، يقود المتظاهرين عبر جسر إدموند بيتوس في سِلما بولاية ألاباما، في 21 آذار/مارس 1965، من أجل دعم حقوق التصويت للأميركيين الأفارقة “(© AP Images)

هل هناك ما هو أروع تعبيرًا عن الإيمان بالتجربة الأميركية، وهل هناك وطنية أعظم من الإيمان بأن أميركا لم تنتهِ بعد، ومن أننا أقوياء بما يكفي لأن ننتقد أنفسنا، وأن كل جيل من الأجيال المتعاقبة يمكن أن يرى عيوبنا ويقرر أنه بوسعنا إعادة صنع هذه الدولة لتتوافق بدرجة أوثق مع مثلنا العليا؟

لهذا السبب فإن سِلما ليست مجرد موضوع غريب في التجربة الأميركية. ولهذا السبب ليست متحفًا أو نصبًا تذكاريًا ثابتًا يمكن رؤيته من بعيد. إنها بدلاً من ذلك تعبير عن إيمان تسطّره الوثائق التأسيسية لبلادنا: “نحن الشعب… من أجل تشكيل اتحاد أكثر كمالاً” “نتمسك بهذه الحقائق على أنها بديهية، وأن جميع الرجال خلقوا متساوين”.

هذه ليست مجرد كلمات. إنها شيء حي، دعوة إلى العمل، خريطة طريق للمواطنة وإصرار على قدرة الرجال والنساء الأحرار لتشكيل مصيرنا. وبالنسبة للمؤسسين مثل فرانكلين وجيفرسون، وبالنسبة لقادة مثل لينكولن وإف. دي روزفلت، فإن نجاح تجربتنا في الحكم الذاتي قد استند إلى إشراك جميع مواطنينا في هذا العمل. وهذا هو ما نحتفل به هنا في سِلما. هذا هو ما كانت تعنيه هذه الحركة، شوطًا في رحلتنا الطويلة نحو الحرية.

إن المقدرة الغريزية الأميركية هي التي قادت هؤلاء الرجال والنساء والشباب إلى حمل الشعلة واجتياز هذا الجسر، إنها نفس المقدرة التي جعلت الوطنيين يختارون الثورة على الظلم. إنها نفس المقدرة الغريزية التي جذبت المهاجرين لعبور مختلف المحيطات ونهر ريو غراندي للوصول إلى هنا. إنها نفس المقدرة التي قادت النساء للوصول إلى صناديق الاقتراع، والعمّال إلى تنظيم صفوفهم ضد وضع قائم ولكنه مجحف. إنها نفس المقدرة الغريزية التي قادتنا لغرس علم بلادنا في جزيرة إيوو جيما وعلى سطح القمر.

“ألقى الرئيس خطابًا لم يكن شامخًا في بلاغته فحسب، إنما كان صادقًا إلى حد لاذع… كان خطابًا قويًا. أعلن الرئيس حبه العميق لبلد يجسّد قيم هؤلاء الناس الذين أراقوا دماءهم وعرقهم، ودموعهم على ذلك الجسر”. – كورنيل ويليام بروكس، رئيس الجمعية القومية لتقدم الملونين

إنها فكرة تمسكت بها أجيال من المواطنين الذين آمنوا بأن أميركا هي عمل مستمر في التقدم. الذين آمنوا بأن محبة هذا البلد تتطلب أكثر من إنشاد الأغاني لها أو تجنّب مواجهة الحقائق الصعبة. يحتاج الأمر أحيانًا إلى إحداث اضطراب، إلى وجود رغبة في التعبير بصوت عالٍ عما هو حق، وهز الوضع القائم. هذه هي أميركا.

هذا هو سبب فرادتنا. وهذا ما يرسخ شهرتنا كمنارة للفرص. كان بإمكان الشباب خلف الستار الحديدي أن يروا سِلما وأن يهدموا في نهاية المطاف هذا الجدار. كان بإمكان الشباب في سويتو أن يسمعوا بوبي كينيدي يتحدث عن تموّجات الأمل وأن يقضوا في نهاية المطاف على ويلات التمييز العنصري. دخل الشباب في بورما إلى السجن بدلاً من الخضوع للحكم العسكري. لقد رأوا ما قام به جون لويس. من شوارع تونس إلى الميدان في أوكرانيا، يمكن لجيل الشباب أن يستمد القوة من هذا المكان، حيث تمكن الضعفاء من تغيير أعظم قوة في العالم، وأن يدفعوا قادتهم إلى توسيع حدود الحرية.

لقد رأوا أن الفكرة تتحول إلى حقيقة هنا في سِلما بولاية ألاباما. رأوا أن الفكرة تعبر عن نفسها هنا في أميركا. وبسبب حملات من هذا القبيل، صدر قانون حقوق التصويت، وانهارت الحواجز السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والتغيير الذي صنعه هؤلاء الرجال والنساء أصبح مرئيًا هنا في هذا اليوم بحضور الأميركيين الأفارقة الذين يترأسون مجالس إدارة، ويجلسون على منصات القضاة، ويخدمون في مناصب منتخبة من المدن الصغيرة إلى المدن الكبيرة. ومن كتلة النواب السود بالكونغرس وصولاً إلى المكتب البيضاوي.

في سِلما بولاية ألاباما، الرئيس أوباما يحيي الناشطة في مجال الحقوق المدنية أميليا بوينتون روبنسون، البالغة من العمر 103 سنوات، وراء الكواليس قبل حفل الاحتفال. شاركت روبنسون في المسيرات التاريخية من سِلما إلى مونتغمري سنة 1965. (White House/Pete Souza)

وبسبب ما فعلوه، شرّعت أبواب الفرص ليس فقط أمام الناس السود، إنما أمام كل أميركي. وسارت النساء عبر تلك الأبواب. دخل الأميركيون من أصل لاتيني عبر تلك الأبواب. دخل الأميركيون الآسيويون، والأميركيون المثليون، والأميركيون المعوّقون– دخلوا جميعهم عبر تلك الأبواب. أعطت مساعيهم الجنوب بأكمله الفرصة للنهوض مجددًا، وليس من خلال إعادة التمسك بالماضي، إنما من خلال تجاوز الماضي.

قد يقول الدكتور مارتن لوثر كينغ، يا لهذا الشيء المجيد. وما هذا الدَيْن الثقيل الذي نُدين به. وهذا ما يدفعنا لنسأل أنفسنا، كيف يمكننا تسديد هذه الديون؟

أولاً وقبل أي شيء آخر، علينا أن ندرك أن الاحتفال بذكرى يوم واحد، مهما كان ذا أهمية خاصة، لا يكفي. فإذا كانت سِلما قد علمتنا شيئًا، فهو أن عملنا لم يكتمل أبدًا. التجربة الأميركية في الحكم الذاتي تعطي كل جيل العمل والغرض من ذلك.

علمتنا سِلما أيضًا أن العمل يتطلب منا أن نتخلى عن سوداويتنا واستخفافنا؛ لأنه عندما يتعلق الأمر بالسعي لتحقيق العدالة، لا يمكننا أن نرتضي لا التهاون ولا اليأس.

“كان خطاب الرئيس أوباما قويًا ومؤثرًا اليوم في سِلما. هناك الكثير مما تمّ انجازه وبقي الكثير مما يجب القيام به.” – عضو مجلس الشيوخ تشاك شومر.

في هذا الأسبوع، سُئلت ما إذا كنت أظن أن تقرير فيرغسون من وزارة العدل يظهر بأنه لم يتغير شيء يذكر في هذا البلد في ما يتعلق بالعرق. وفهمت معنى السؤال. للأسف كانت طريقة سرد التقرير للأحداث مألوفة. استحضر التقرير أنواع سوء معاملة المواطنين والاستخفاف بهم التي ولّدت حركة الحقوق المدنية. ولكنني رفضت فكرة أن لا شيء قد تغير. فما حدث في تقرير فيرغسون قد لا يكون فريدًا من نوعه، غير أنه لم يعد مستوطنًا. لم يعد مسموحًا به بموجب القانون أو الأعراف المرعية. وقبل حركة الحقوق المدنية، كان ذلك قائمًا بالتأكيد.

إننا نسيء إلى قضية العدالة عندما نلمّح بأن التحيز والتمييز غير قابلين للتغيير، وأن الفصل العنصري متأصل في أميركا. فإذا كنتم تعتقدون بأنه لم يتغير شيء خلال السنوات الخمسين الماضية، اسألوا شخصًا عاش خلال فترة أحداث سِلما أو شيكاغو أو لوس أنجلوس في خمسينات القرن الماضي. اسألوا المسؤولة التنفيذية ذات المستوى الرفيع التي كان من الممكن أن تتعيّن يوماً في مجمّع السكرتيرات ليس إلا  لو لم يتغير شيء. إسأل صديقك المثلي الجنس إذا كان الخروج والتفاخر في أميركا الآن أسهل مما كان عليه قبل ثلاثين عامًا. إن إنكار هذا التقدم، هذا التقدم الذي تحقق بشق الأنفس– تقدمنا– قد يحرمنا من تفويضنا، من قدرتنا، من مسؤوليتنا بأن نفعل كل ما بوسعنا لجعل أميركا أفضل.

وبالطبع، فإن الخطأ الأكثر شيوعًا هو القول بأن فيرغسون كانت حادثة معزولة. وإن التمييز العنصري قد ألغي، وإن العمل الذي جذب الرجال والنساء إلى سِلما بات الآن مكتملاً، وإنه مهما كانت التوترات العرقية المتبقية، فهي نتيجة أولئك الذين يسعون إلى اللعب “بورقة العرق” لأغراضهم الخاصة. لسنا بحاجة إلى تقرير فيرغسون لكي نعرف أن هذا الأمر ليس صحيحًا. علينا فقط فتح أعيننا وآذاننا وقلوبنا لكي نعرف أن التاريخ العنصري لهذه الدولة لا يزال يلقي بظلاله الطويلة القاتمة علينا.

من اليسار: لورا بوش، ميشال أوباما، الرئيس أوباما، جون لويس، جورج دبليو بوش وعضوة الكونغرس تيري سويل يشبكون أيديهم مع بعضهم البعض (© AP Images)

إننا نعلم أن المسيرة لم تنتهِ بعد. وندرك أننا لم نفز بالسباق حتى الآن. ونعلم أن الوصول إلى هذا المقصد المبارك حيث يُحكم علينا، جميعنا، من خلال مضمون خصائصنا الشخصية، يتطلب منا الاعتراف بهذا القدر، ومواجهة الحقيقة. كتب جيمس بالدوين ذات مرة: “إننا قادرون على تحمل أعباء كبيرة، بعد أن نكتشف أن الأعباء هي الحقيقة ونصل إلى حيث توجد الحقيقة”.

لا يوجد شيء لا يمكن لأميركا التعامل معه إذا نظرنا فعليًا إلى المشكلة بصورة جدّية. وهذا عمل يخص جميع الأميركيين، وليس فقط البعض منهم. ليس فقط البيض. ليس فقط السود. فإذا أردنا تكريم شجاعة أولئك الذين شاركوا في المسيرة في ذلك اليوم، فإن ذلك يدعونا جميعًا إلى امتلاك خيالهم الأخلاقي. علينا جميعًا أن نشعر كما شعروا بدرجة الإلحاحية المقدامة. على كل واحد منا أن يدرك كما فعلوا بأن التغيير يعتمد على أفعالنا، على مواقفنا، وعلى الأشياء التي نعلّمها لأطفالنا. فإذا بذلنا مثل هذا الجهد، مهما بدا ذلك صعبًا أحيانًا، فسوف نتمكن من إقرار القوانين، وتحفيز الضمائر، وبناء الإجماع.

الرئيس أوباما يحيي الحشود في سِلما بولاية ألاباما، بعد إلقاء خطابه بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين للمسيرات من سِلما إلى مونتغمري من أجل الحقوق المدنية. (White House/Pete Souza)

فمن خلال هذا الجهد، يمكننا التأكد من أن نظام العدالة الجنائية لدينا يخدم الجميع وليس فقط البعض. وسوية، يمكننا أن نرفع مستوى الثقة المتبادلة التي تبنى عليها تلك السياسة- الفكرة بأن ضباط الشرطة هم أعضاء في المجتمع الأهلي يخاطرون بحياتهم من أجل الحماية وأن المواطنين في فيرغسون ونيويورك وكليفلاند لا يريدون سوى نفس الشيء الذي سار الشباب من أجله قبل 50 عامًا-حماية القانون. وسوية، يمكننا معالجة الأحكام القضائية غير العادلة والسجون المكتظة، والظروف الهزيلة التي تسلب الكثير من الفتيان الفرصة لأن يصبحوا رجالاً، وتسلب الدولة الكثير من الرجال الذين يمكنهم أن يصبحوا آباءً صالحين وعمالاً وجيرانًا جيدين.

ومن خلال بذل الجهد اللازم، يمكننا دحر الفقر والحواجز المقامة أمام الفرص. لا يقبل الأميركيون لأي كان أن يستفيد مجانًا على حساب الآخرين،  كما أننا لا نؤمن بالمساواة في النتائج. ولكننا نتوقع التكافؤً في الفرص. وإذا كنا نعني ذلك بالفعل، وإذا لم نكن مجرّد متملّقين، ولكن إذا كنا نعني ذلك فعلاً وكنا مستعدين للتضحية في سبيل تحقيق ذلك، نعم، نستطيع التأكد من أن كل طفل يحصل على التعليم المناسب، في هذا القرن الجديد، تعليم يوسّع الخيال ويرفع الأنظار ويعطي الأطفال المهارات التي يحتاجونها. نستطيع التأكد من أن كل شخص على استعداد للعمل يحصل على الكرامة والوظيفة، والأجر العادل، والصوت الحقيقي، ودرجات أكثر ثباتًا على ذلك السلم المؤدي إلى الطبقة المتوسطة.

 ومن خلال بذل هذا الجهد، يمكننا أن نحمي حجر الأساس لديمقراطيتنا التي سار من أجلها هذا العدد الكبير من الناس عبر هذا الجسر- وهذا هو حق التصويت. والآن، في العام 2015، وبعد مرور 50 عامًا على مسيرة سِلما، لا تزال هناك قوانين في هذه البلاد مصمّمة لتجعل من الصعب على الناس التصويت. وفي هذا الوقت الذي نتكلم فيه، يجري اقتراح المزيد من مثل هذه القوانين. وفي هذه الأثناء نفسها، فإن قانون حقوق التصويت، الذي جاء نتيجة لإراقة الكثير من الدماء، وسكب الكثير من العرق والدموع، وبذل الكثير من التضحيات بمواجهة العنف الوحشي، بات قانون حقوق التصويت يقف ضعيفًا، ويخضع مستقبله للأحقاد السياسية.

كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ كان قانون حقوق التصويت أحد ثمار إنجازات ديمقراطيتنا، ونتيجة لجهود الجمهوريين والديمقراطيين. وقّع الرئيس ريغان على تجديده عندما تولى منصب الرئاسة. ووقّع الرئيس جورج دبليو بوش على تجديده عندما تولى منصب الرئاسة. وجاء مئة عضو من الكونغرس إلى هنا اليوم لتكريم الأشخاص الذين كانوا على استعداد للموت في سبيل الحق لحمايته. فإذا أردنا أن نكرّم هذا اليوم، دعوا هؤلاء المئة يعودون إلى واشنطن العاصمة ويجمعون أربعمئة آخرين، وسوية، يتعهّدون بجعل مهمتهم استعادة هذا القانون في هذه السنة. هذه هي الطريقة التي نكرّم فيها أولئك الذين ساروا على هذا الجسر.

وراء الكواليس، الرئيس السابق جورج دبليو بوش يتحدث مع ساشا وماليا أوباما وجدتهما، ماريان روبنسون. (White House/Pete Souza)

وبطبيعة الحال، فإن ديمقراطيتنا ليست مهمة تقع على عاتق الكونغرس لوحده، أو المحاكم لوحدها، أو حتى رئيس الجمهورية لوحده. فإذا ألغي اليوم كل قانون جديد يكبح تصويت الناخبين، فإنه يبقى لدينا، هنا في أميركا، أحد أدنى معدلات التصويت بين الشعوب الحرة. قبل خمسين عامًا، كان التسجيل للتصويت هنا في سِلما وفي الكثير من مناطق الجنوب، مجازفة تشبه التكهّن بعدد الحبوب الهلامية الموجودة في قارورة، أو عدد الفقاعات على لوح صابون. كان ذلك يعني المخاطرة بكرامتكم، وأحيانًا، بحياتكم.

ما هو عذرنا اليوم لعدم التصويت؟ كيف يمكننا تجاهل هذا الحق الذي كافح من أجله ذلك العدد الجم من الناس؟ كيف يمكننا حتى أن نتخلى بالكامل عن قوتنا، عن صوتنا، في تشكيل مستقبل أميركا؟ لماذا نشير إلى شخص آخر عندما نستطيع أن نخصّص الوقت للذهاب إلى مراكز الاقتراع؟ إننا نتخلى بذلك عن سلطتنا.

أيها المتظاهرون، أيها المواطنون، لقد تغير الكثير خلال 50 عامًا. لقد تحملنا الحروب وصنعنا السلام. لقد شهدنا عجائب التكنولوجيا التي تمس كل ناحية من نواحي حياتنا. إننا نعتبر وسائل الراحة التي لم يتصورها أهلنا إلا نادرًا من المسلّمات. ولكن ما لم يتغير هو الواجب الذي تفرضه علينا المواطنة. تلك الإرادة لكاهن بعمر 26 عامًا، أو قس من الحركة التوحدية، أو أم لخمسة أطفال بأن يقرروا أنهم يحبون هذه البلاد إلى درجة أنهم يخاطرون بكل شيء من أجل تحقيق ما تعدهم به.

هذا هو ما يعنيه أن نحب أميركا. هذا ما يعنيه أن نؤمن بأميركا. هذا ما يعنيه عندما نقول إن أميركا استثنائية.

لأننا ولدنا من رحم التغيير. حطمنا الأرستقراطيات القديمة، وأعلنا أنفسنا مؤهلين، ليس بفضل الدم الذي يجري في عروقنا، إنما بفضل ما وهبنا خالقنا من بعض الحقوق غير القابلة للتصرّف. إننا نصون حقوقنا ومسؤولياتنا من خلال نظام الحكم الذاتي من الشعب، ومن قبل ومن أجل الشعب. لهذا السبب نجادل ونكافح بمثل هذه الاندفاعة والقناعة- لأننا نعلم أن جهودنا لها قيمة. نعرف أن أميركا هي ما نصنعه منها.

“أعرف أنه كانت هناك حواجز [أمام تصويت الأميركيين الأفارقة سنة 1965]، ولكنني لم أكن أدرك تمامًا كم كانت هذه الحواجز شاقة وعالية”– عضو مجلس الشيوخ السناتور سوزان كولينز

أنظروا إلى تاريخنا. نحن لويس وكلارك وساكاجويا، أولئك الروّاد الذين تحدّوا الأصقاع المجهولة المعروفة، حشود من المزارعين وعمّال المناجم وروّاد الأعمال والباعة المتجوّلين. هذه هي روحنا. هذا هو ما نحن عليه.

نحن سوجورنر تروث وفاني لو هامر، امرأتان استطاعتا إنجاز الكثير مثل أي رجل، وحتى أكثر بكثير. نحن سوزان بي. أنتوني، التي هزت أركان النظام إلى أن جسّد القانون تلك الحقيقة. هذه هي شخصيتنا.

نحن المهاجرون الذين اختبأوا في السفن للوصول إلى هذه الشواطئ، تلك الجموع المحتشدة والمتكوّرة التي تتوق للتنفس بحرية- الناجون من المحرقة، المنشقون السوفيات، الصبيان المفقودون في السودان. نحن المناضلون المفعمون بالأمل الذين عبروا نهر ريو غراندي لأننا أردنا أن يعيش أطفالنا حياة أفضل. هذا هو ما نحن عليه.

نحن الأرقّاء الذين بنوا البيت الأبيض واقتصاد الجنوب. نحن عمّال المزارع ورعاة البقر الذين فتحوا الغرب، والعمّال الذين لا يُعدّون ولا يُحصون الذين مدّوا السكك الحديدية، ورفعوا ناطحات السحاب، ونظموا حقوق العمال.

نحن الجنود الأميركيون ذوو الوجوه النضرة الذين قاتلوا لتحرير قارة. ونحن طيارو توسكيجي، ومتحدثو رموز النافاهو، والأميركيون اليابانيون الذين قاتلوا في سبيل هذا البلد حتى عندما حُرموا من حريتهم الشخصية.

نحن رجال الإطفاء الذين هرعوا إلى تلك المباني في 11/9، والمتطوّعون الذين انضموا للقتال في أفغانستان والعراق. نحن الأميركيون مثليو الجنس الذين سالت دماؤهم في شوارع سان فرانسيسكو ونيويورك، تمامًا كما سال الدم على هذا الجسر.

نحن رواة القصص، والكتّاب، والشعراء، والرسامون الذين يمقتون الظلم، ويحتقرون النفاق، ويعطون الصوت لمن لا صوت لهم، ويقولون الحقائق التي ينبغي أن تُقال.

نحن مبتكرو الموسيقى الدينية وموسيقى الجاز والبلوز، والبلو غراس، والهيب هوب، والروك أند رول، وأصواتنا الخاصة مع كل أحزانها الحلوة وأفراحها المتشبثة بالحرية.

نحن جاكي روبنسون، الذي تحّمل السخرية والأوتاد الشائكة والضربات الموجهة مباشرة إلى رأسه، ومع ذلك خطف الهدف في بطولة العالم.

نحن الشعب الذي كتبت عنه لانغستون هيوز أنهم “شيدوا معابدنا للمستقبل، لتكون قوية بالقدر الذي نعرفه.” نحن الشعب الذي كتب عنه إيمرسون أنهم “الذين صمدوا وعانوا طويلاً في سبيل الحقيقة والشرف”، والذين “لا يتعبون أبدًا، طالما كان بإمكاننا أن ننظر ونستشرف أبعد الآفاق.”

عائلتا أوباما وبوش في مقدمة مسيرة حاشدة تعبر جسر إدموند بيتوس في 7 آذار/مارس في سِلما بولاية ألاباما (White House/ Lawrence Jackson)

هذه هي كينونة أميركا. ليست صورًا مختزنة أو تاريخًا مصقولاً، أو محاولات ضعيفة لتحديد البعض بأنهم يحبّون أميركا أكثر من الآخرين. نحن نحترم الماضي، ولكننا لا نصبو للعودة إلى الماضي. نحن لا نخاف المستقبل، بل نتمسك به. أميركا ليست شيئًا هشًا. إننا كبار، على حد تعبير ويتمان، نحتوي على حشود كبيرة. نحن صاخبون ومتنوّعون ومفعمون بالطاقة، ونتمتع بروح الشباب على الدوام. لهذا السبب تمكّن شخص مثل جون لويس بعمر 25 سنة أن يقود مسيرة عظيمة.

وهذا ما يجب على الشباب الموجودين هنا اليوم والذين يستمعون عبر أرجاء البلاد، أن يأخذوه معهم من هذا اليوم. أنتم أميركا التي لا تكبّلهاالعادات والتقاليد، ولا يعيقها ما هو قائم، لأنكم مستعدون للامساك بما يجب أن يكون.

وبالنسبة لكل مكان في هذا البلد، هناك خطوات أولى ينبغي اتخاذها، وهناك أرض جديدة ينبغي تغطيتها، وهناك المزيد من الجسور التي ينبغي اجتيازها. هذه مهمتكم أنتم، الشباب الذين لا يساور الخوف قلوبهم، الجيل الأكثر تنوعًا وثقافة في تاريخنا، الذين تنتظرهم البلاد لتتبع خطاهم.

لأن سِلما أظهرت لنا أن أميركا ليست مشروعًا لأي شخص بمفرده. لأن الكلمة الوحيدة الأقوى في ديمقراطيتنا هي كلمة “نحن”. “نحن الشعب”. سوف ننتصر. “نعم نستطيع ذلك”. هذه الكلمة لا تعود ملكيتها إلى أحد. إنها تنتمي إلى الجميع. آه، يا لها من مهمة مجيدة قد أُعطيت لنا، لأن نحاول باستمرار تحسين هذه البلاد العظيمة، دولتنا.

خمسون سنة مرت على يوم الأحد الدامي، ومسيرتنا لم تنتهِ بعد، ولكننا نقترب أكثر فأكثر. بعد انقضاء مئتين وتسعة وثلاثين عامًا على تأسيس هذه الدولة لم يكتمل إتحادنا بعد، ولكننا بتنا على مسافة أقرب من هذا الهدف. أصبحت مهمتنا أكثر سهولة لأن شخصًا ما أخذ بيدنا للسير عبر ذلك الشوط الأول، لأن شخصًا ما قادنا على ذلك الجسر. وعندما نشعر بأن الطريق شاق جدًا، عندما تبدو الشعلة التي انتقلت إلينا ثقيلة جدًا، سوف نتذكر هؤلاء المسافرين الأوائل، وسوف نستمد القوة من مثالهم، ونتمسك جيدًا بكلمات النبي إشعيا: “وأما منتظرو الرب فيتجدّدون قوة، ويرفعون أجنحة كالنسور، ويركضون ولا يتعبون ويمشون ولا يعيون.”

إننا نكرّم أولئك الذين ساروا من قبلنا كي نتمكن من الركض. يجب علينا أن نركض كي يتمكن أبناؤنا من التحليق في الأعالي. لن نشعر بالتعب، لأننا نؤمن بقدرة الرب العظيم، ونؤمن بالوعد المقدس لهذا الوطن.

ليبارك الرب هؤلاء المحاربين من أجل العدالة والذين غادرونا، وليبارك الرب الولايات المتحدة الأميركية. وشكرًا لكم جميعًا.