المتحف الوطني لتاريخ الأميركيين من أصول أفريقية التابع لمؤسّسة سميثسونيان للمتاحف الوطنية، اقتُرح إنشاؤه لأول مرة في العام 1915 من قبل منظمة المحاربين القدامى السود في الحرب الأهلية الأميركية، وسيتم افتتاحه يوم 24 أيلول/سبتمبر 2016 أي بعد مرور قرن من الزمن على ذلك الاقتراح.
واستكشاف المتحف للتاريخ الأميركي عبر عدسة الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية نُسجت في قلب عملية إنشاء المتحف وبنائه. فشكل طبقات المبنى تشبه تاج ملوك قبائل اليوروبا في منطقة غرب أفريقيا، وهو بمثابة تحية إجلال إلى وطن الأجداد بالنسبة للعديد من الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية الذين قدموا إلى أميركا الشمالية مكبّلين على متن سفن تجارة الرقيق. والواجهة الخارجية للمتحف مصنوعة من المعدن المتشابك المكسو باللون البرونزي الذي يعيد إلى الذاكرة المصنوعات الحديدية التي كان يصنعها الحدّادون من العبيد في مدينتي تشارلستون ونيو أورليانز في القرن التاسع عشر.
ويقع مبنى المتحف المطل على المتنزه القومي في العاصمة واشنطن بالقرب من مدرج نصب الرئيس لنكون التذكاري في المنطقة التي احتشد فيها أكثر من ربع مليون شخص استجابة لصوت زعيم الحقوق المدنية الراحل مارتن لوثر كينغ في آذار/مارس 1963 في واحدة من أكبر المسيرات المطالبة بحقوق الإنسان في تاريخ الولايات المتحدة.

وقد أدلى المؤرخ لوني بانش، المدير المؤسس للمتحف بحديث خصّ به القناة التلفزيونية الرابعة التابعة لشبكة إن بي سي الإخبارية في الوقت الذي يمر فيه المتحف بفترة الاستعدادات ووضع اللمسات الأخيرة عليه قبل الافتتاح؛ قال فيه إن المتحف يوضح جزءًا حيويًا من قصة أميركا، ويقدم نظرة جديدة على ما يعنيه أن يكون المرء أميركيًا.
وقال “إن تاريخ الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، هو من نواح عديدة، يقدم أفضل مثال للقصة الأميركية، بتسليط الضوء على الصمود والتفاؤل والروحانية، فإن تجربة الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية جعلت أميركا متكاملة (لأنها) أجبرت أميركا على أن ترقى إلى مستوى مثلها العليا المعلنة.”

يضم المتحف 12 قاعة عرض دائمة موزعة على أدوار تحت وفوق الأرض، بحيث تأخذ الزائرين في رحلة عبر عصور العبودية والتفرقة العنصرية وحقبة حركة الحقوق المدنية في عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، والإنجازات التي حققها الأميركيون من ذوي الأصول الأفريقية في جميع مناحي الحياة.
وما يجعل سرد القصة الكاملة ممكنًا، هو في جزء منه، حجم المتحف الجديد. حيث يضم مقتنيات يبلغ عددها 34 ألف قطعة أثرية موزعة في مساحته التي تبلغ 37 ألف متر مربع، وحجم المبنى يصل إلى ضعف حجم متحف هيرشهورن وحديقة المنحوتات القريبين منه.
وبدءًا بالدور الواقع تحت الأرض باستطاعة الزوّار أن ينتقلوا من العبودية إلى الحرية، كما ذكر بانش الذي أضاف أن الزوّار سيشاهدون كوخًا للرقيق أعيد بناؤه واستقدم من جزيرة إديستو بولاية ساوث كارولينا، وسماع تسجيلات تستند إلى تسلسل الوقائع عن رقيق فعليين. كما سيشاهدون كتاب تراتيل داعية إلغاء الرقّ هارييت تبمان الذي يعود إلى حوالى العام 1876. وبعده، عربة قطار من حقبة الفصل العنصري (حوالى العام 1920)، وطائرة تعود إلى العام 1940 كانت تستخدم لتدريب طيارين سود خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وأخيرًا ثوب خاطته في خمسينات القرن الماضي روزا باركس التي تعد إحدى أبطال حركة الدعوة للحقوق المدنية.

وإذا صعدوا إلى الأدوار العليا للمتحف، سيشاهد الزوّار معرض لوحات تتناول إسهامات الأميركيين السود في الرياضة والفنون والعلوم والأعمال والموسيقى والأدب. وهذه المجموعة من اللوحات تسلط الضوء على أشياء بعينها: بوق أسطورة موسيقى الجاز لوي أرمسترونغ، والفساتين التي ارتدتها المغنيتان ماريان أندرسون وإيلا فيتزجيرالد، وسيارة الكاديلاك الحمراء لمطرب موسيقى الروك تشاك بيري، وتذكارات كان يملكها رياضيون أبطال مثل العدّاء جيسي أوينز والملاكم محمد علي ونجمتي كرة المضرب الشقيقتين فينس وسيرينا وليامز.

بيد أن الماضي ما هو إلا جزء من الرواية. وكما ذكر بانش: “المتحف يدور حول الحاضر والمستقبل بنفس القدر الذي يتحدث عن الماضي.” ولهذا الغرض يسلط القّيمون الضوء على رئاسة باراك أوباما، وحركة “حياة السود مهمة”، وغيرها من قضايا معاصرة.
إن ثقافة الأميركيين الأفارقة، كما ذكر بانش، قد رسمت شكل ومضمون الولايات المتحدة بصورة عميقة “وما نريده هو جعل هذا الثراء وهذه الثقافة متاحتين للعالم.”