تقاسم فوائد الإنترنت عن طريق تجاوز الفجوة الرقمية

أكثر من نصف المزارع في أميركا موصولة بشبكة الإنترنت (© AP Images)

“شبكة الإنترنت، على وجه الخصوص، توفر إمكانيات هائلة للتلاقي والتضامن. وهذا شيء جيد بالفعل، إنها هبة من الله” – البابا فرانسيس.

وتمامًا مثلما قال البابا فرانسيس، أكثرنا يحب هذه الفوائد- كالبريد الإلكتروني، والتسوّق عبر الإنترنت، وعروض الموسيقى والفيديو- التي تتيحها شبكة الإنترنت. وفي الواقع، يقول ثلاثة أرباع الأميركيين تقريبًا إنهم يفضّلون التخلي عن شرب الكحول، ويقول ثلثا المستهلكين الهنود إنهم يفضّلون الامتناع عن تناول الشوكولاته، على العيش بدون إنترنت لمدة عام، وذلك استنادًا إلى تقرير نشرته مجموعة بوسطن للاستشارات في العام 2012.

People looking at their smartphones
هل يمكن أن يصبح تصفح الإنترنت المتزامن رياضة أولمبية جديدة؟ (Courtesy of Beth Jusino/Flickr)

ولكن تأثير التكنولوجيات الرقمية أو الإلكترونية، يتجاوز كثيرًا النطاق الشخصي: فقد حوّلت هذه التكنولوجيات طبيعة الأسواق، وأفضت إلى ظهور صناعات جديدة، وجعلت وتيرة الأبحاث تتسارع، وحسّنت الرعاية الصحية، وربطت الناس سوية بطرق لم يكن من الممكن تصوّرها قبل جيل واحد فقط.

قال أندرو مكافي من كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لمجلة هارفارد بيزنس ريفيو، إن “التكنولوجيات الرقمية تؤثر على قوة الدماغ البشري مثلما أثّر المحرّك البخاري وما رافقه من تكنولوجيات على قوة عضلات الإنسان خلال الثورة الصناعية”. واستطرد قائلًا، “إنها تتيح لنا التجاوز السريع للكثير من القيود المفروضة وتفتح أمامنا آفاقًا جديدة بسرعة لم يسبق لها مثيل.”

وفي ما يلي نظرة عن قرب على بعض الطرق التي حوّلت بها الإنترنت طريقة عيشنا وأسلوب إدارتنا للأعمال.

الاتصالات

لقد أتاح البريد الإلكتروني، والرسائل الإلكترونية، والمؤتمرات عبر الفيديو، والاتصال الهاتفي عبر الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، والأدوات الإلكترونية الأخرى، للآلاف من الشركات إدارة المشاريع والناس عبر حدود الدول، وأتاحت إمكانية التواصل مع الزبائن المجودين في أماكن بعيدة. وأصبح بإمكان الموظفين في مختلف المواقع التعاون بصورة أسهل في تنفيذ المشاريع المشتركة.

Man checking medical equipment
الرعاية الصحية جاهزة للثورة الرقمية (© AP Images)

وبات باستطاعة العلماء تبادل الاكتشافات والبناء على أساس عمل بعضهم البعض. فعلى سبيل المثال، في العام 2003 ابتكر علماء من حوالى 80 مؤسسة أبحاث من حول العالم عددًا من الاكتشافات عبر مشروع ميكروبيوم الإنساني الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي أحدها، تعلموا أنه من الممكن توقع طبيعة المجموعات الجرثومية الموجودة في القناة الهضمية للإنسان من خلال فحص المجموعات الجرثومية في الفم، وهو اكتشاف يمكن أن يشكل أساسًا لعلاجات تُصمّم خصيصًا لكل إنسان بمفرده في المستقبل.

التعليم

تتيح المقرّرات الدراسية المفتوحة المكثفة على الإنترنت (MOOCs) لأي شخص الانتظام في دراسة مقرّرات دراسية لدى الجامعات في مختلف أنحاء العالم. وقد أتاح ذلك للطلاب الحصول على تعليم من نوعية عالية في أي وقت، نظرًا لأن المقرّرات الدراسية المكثفة على الإنترنت مفتوحة طوال اليوم وفي جميع أيام الأسبوع. وفي العام 2014، قدمت 400 جامعة 2400 مقررًا دراسيًا على الإنترنت إلى حوالى 6 ملايين طالب، وفقًا للموقع الإلكتروني للمعلومات EducationDive ومجلة يو إس نيوز أند وورلد ريبورت.

Kid in front of computer
هذا الطالب البرازيلي في حي فقير في ريو دي جانيرو، يكتشف للمرة الأولى الثروة التي تقدمها الإنترنت (© AP Images)

واستنادًا إلى ألكس تباروك، الأستاذ في جامعة جورج مايسون في فيرفاكس بولاية فيرجينيا، فإن التعليم عبر الإنترنت لا يزال في مراحله الأولى، إلا أن إمكانياته هائلة.

ويتابع تباروك قائلًا، “إن التعليم الذي يعتمد على استخدام الكمبيوتر بصفة أساسية، سيكون كما لو أن كل طالب له أستاذ خاص يستطيع اللجوء إليه وقتما يشاء، وبذلك يلبي احتياجاته الشخصية بطريقة أفضل من أستاذ واحد يدرّس لـ 500 طالب أو حتى 50 طالبًا.”

نظام الحكم

الأدوات الإلكترونية توفّر للحكومات وسيلة لتقديم الخدمات إلى المواطنين بشكل “أفضل، وأرخص، وأسرع، وبطريقة من المحتمل لها أن تكون أكثر إنصافًا وأكثر دقة”، كما قال فرانسيس مود لصحيفة وول ستريت جورنال. ومود هو أحد رؤساء مجلس إدارة شراكة الحكومة المفتوحة، الهيئة الدولية التي تهدف إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.

والجدير بالذكر أن التحوّل الذي مكّنته شبكة الإنترنت باتجاه “الحكومة المفتوحة” قد نجمت عنه نتائج مثيرة للإعجاب في الولايات المتحدة، وأستونيا، والنرويج، ونيوزيلندا، والعديد من الدول الأخرى. فقد أصبح بإمكان 1.3 مليون من سكان أستونيا الآن استخدام بطاقات هوية إلكترونية للتصويت، وتسديد الضرائب والوصول إلى أكثر من 160 موقعًا للخدمات على الإنترنت، بدءًا من إعانات البطالة ووصولًا إلى تسجيل ملكية الأراضي. وبدوره، يساعد نظام التعريف بالهوية الإلكتروني في الهند المعروف باسم (Aadhaar) “أدهار” في توسيع نطاق تقديم الخدمات العامة للسكان الفقراء والمهمّشين.

Men standing and looking at another man taking photo
وزير المالية الأميركية جاك لو والسفير الأميركي لدى الهند ريتشارد راهول فيرما، الثاني والثالث وقوفًا إلى اليمين، يراقبان قسمًا من مشروع أدهار للتعريف الإلكتروني بالهوية في الهند (© AP Images)

الأعمال التجارية

وفقًا لتقرير نشرته شركة ماكينزي أند كومباني العام 2011، فقد تحوّلت شبكة الإنترنت إلى منصّة إطلاق لتسويق وتوزيع المنتجات والخدمات في جميع أنحاء العالم. وقد أصبح المستهلكون وروّاد الأعمال الأفراد من بين أكثر المستفيدين من الثورة الرقمية أو الإلكترونية. وبات من الممكن الآن إطلاق شركات مبتدئة برؤوس أموال قليلة من المنزل المزوّد بخط اتصال بالإنترنت. باستطاعة هذه الشبكات الآن أن تقدم خدمات أو سلع للبيع عبر العديد من المواقع التجارية الإلكترونية، مثل موقع إي باي (eBay) أو علي بابا .(Alibaba)

وفقًا إلى تقرير ماكينزي للعام 2012، يجري تأسيس حوالى 150 ألف شركة أعمال تجارية مرتبطة بالإنترنت سنويًا في الاقتصادات الناشئة والنامية. فعلى سبيل المثال، تقوم شركة مبتدئة في موزمبيق تدعى مو ووزا(moWoza)  بربط البائعين غير الرسميين بسائقي سيارات الأجرة من خلال الرسائل النصية وبرامج تطبيقية للهاتف الذكي. ينقل سائقو سيارات الأجرة السلع من تجار الجملة إلى البائعين لبيعها، وبذلك يتمكن هؤلاء البائعون من خفض نفقاتهم العامة بانتفاء الحاجة إلى المخازن أو المستودعات. وفي البلدان الأفريقية التي تتوفر فيها شبكات للهاتف النقال، أصبح بإمكان المزارعين الذين يملكون أجهزة هاتف نقال بيع محاصيلهم واستلام أثمانها بسهولة أكبر من الذين لا تتوفر لهم هذه الإمكانية.

Traditional North African building
مقهى للإنترنت داخل المدينة القديمة في فاس، المغرب (Courtesy of Torrenegra/Flickr)

وعلى الرغم من المخاوف المتعلقة باحتمال التعرّض للسرقة عبر الفضاء الإلكتروني، وضمان الأمن، والمحافظة على الخصوصية، فإن الثورة الرقمية قد حققت بالفعل نتائج اقتصادية مثيرة للإعجاب. ووفقًا لتقرير ماكينزي للعام 2011، كانت شبكة الإنترنت، بين العام 1995 والعام 2000، هي المسؤولة عن تحقيق نمو بنسبة 21 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة. ولو أن الإنترنت كانت اقتصادًا قوميًا أو اقتصاد دولة، فإنها كانت ستُصنّف بين اقتصادات العالم الخمسة الأولى، أي بعد الولايات المتحدة والصين والهند واليابان مباشرة، حسبما يقول ديفيد دين، الكاتب المشارك في تقرير ماكينزي 2012.

واستنادًا إلى تأكيد الخبراء، لم تحقق الاقتصادات الوطنية حتى الآن العائدات الكاملة على استثماراتها في التكنولوجيات الرقمية. إذ يذكر تقرير ماكينزي للعام 2011، “إننا لا نزال في المراحل الأولى من التحوّلات التي ستطلق عنانها شبكة الإنترنت والفرص التي ستعززها”. ومن المعروف أن النمو الاقتصادي يترجم لاحقًا إلى فوائد ملموسة، بما في ذلك الوظائف الجديدة.

وفي هذا السياق، يقول إيريك برينجولفسون، من كلية سلون للإدارة في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا، “إن التكنولوجيات الرقمية سوف تدخل العالم في عصر يتسم بالمزيد من الثراء والوفرة وبنسبة أقل من العناء والكدّ.

سد الفجوة الرقمية

ومع ذلك، فإن برينجولفسون، ينبّه إلى أن “كل الناس لن تنعم بالمشاركة في هذه الوفرة” ما لم تسد الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والدول النامية. فلا يزال هناك حوالى 60 بالمئة من سكان العالم- أي 4.4 بليون إنسان- الذين يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى شبكة الإنترنت بسبب ضعف البنية التحتية الرقمية أو القيود التي تفرضها الحكومات.

يشكل التواصل عبر شبكة الإنترنت حاجة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية تمامًا مثل الطرقات والكهرباء وغيرها من مرافق البنية التحتية التقليدية.

President Obama and African woman look at cell phone
الرئيس أوباما ينظر إلى عرض على جهاز نقال في معرض الابتكار لمبادرة الطاقة لأفريقيا العام 2015 في نيروبي، كينيا (© AP Images)

واستنادًا إلى دراسة أجرتها مجموعة بوسطن للاستشارات العام 2014، فإن البلدان التي لا يستطيع سكانها التواصل بسهولة عبر الإنترنت تفقد في المتوسط حوالى 2.5 بالمئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي سنويًا. ومن ناحية أخرى، فإن البلدان التي تستثمر في البنية التحتية لشبكة الانترنت ووسائل التواصل سوف تحقق زيادة بنسبة 1.4 بالمئة في نمو الناتج المحلي الإجمالي مقابل كل زيادة بنسبة 10 بالمئة في انتشار الإنترنت.

في أيلول/سبتمبر 2015، أطلقت وزارة الخارجية الأميركية مبادرة التواصل العالمي عبر الإنترنت، وهي جهد يهدف إلى إدخال 1.5 بليون إنسان إضافي إلى شبكة الإنترنت بحلول العام 2020 من خلال شراكات بين الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات غير حكومية. وتستند هذه المبادرة إلى جهود سابقة للولايات المتحدة- التحالف من أجل إنترنت يمكن تحمل كلفتها– وتساهم في جهود دولية مماثلة.