بدأت القصة في الجهة الجنوبية لمدينة شيكاغو. وبدأت منطقة بولمان كحي سكني لعمال أحد المصانع شيده صاحب عملهم، صاحب شركة لتصنيع عربات السكة الحديد الفاخرة. إلا أنه بمرور العقود، أصبح حي بولمان أكثر من ذلك بكثير.

كان مؤسس شركة بولمان لعربات السكة الحديد قد بادر إلى بناء مساكن لعماله وفّرت لهم ظروفًا معيشية أفضل من معظم عمال المصانع الأخرى. لكن وفي ذروة الركود الاقتصادي في تسعينات القرن التاسع عشر (1890)، خفضت شركة بولمان أجور عمالها دون أن تخفّض إيجارات المساكن التي تتقاضاها منهم. اعترض العمال على ذلك، وكان لاعتراضاتهم مضاعفات تركت أثرها عبر أرجاء البلاد، إذ  قاطع عمّال آخرون بالسكة الحديد عربات بولمان دعمًا لهم. وبذلك العمل، تمكنت اتحادات العمال المنظمة من لعب أول دور مؤثر رئيسي لها في الولايات المتحدة.

لم يكن للعمّال الأميركيين الأفارقة مكان في قيادات نقابات عمّال السكة الحديد في تسعينات القرن التاسع عشر، على الرغم من دورهم في خدمات السكة الحديد. إذ كان العمّال السود الذين تحرّروا من العبودية منذ جيل واحد فقط يتولون القيام بأعمال متواضعة كحمالين وعمّال في عربات السكة الحديد لخدمة الركاب البيض. وكانت ظروف عملهم أقل إنصافًا من تلك المتوفرة للعمّال البيض، غير أنهم كانوا يكسبون أجرًا ثابتًا، فتمكنوا من الصعود درجة على السلم الطبقي، وبذلك أصبحوا من الطبقة المتوسطة.

صبيان يلعبان في حي بولمان، الذي كان منبع انطلاق تطوّرات اجتماعية وثقافية كبيرة (AP Images)

ولكن، عندما أدرك هؤلاء العمّال السود قوتهم ككتلة عمّالية، شكلوا رابطة أطلقوا عليها اسم الأخوة الحماّلون في عنابر النوم بعربات السكة الحديد (the Brotherhood of Sleeping Car Porters)، وهي أول نقابة للعمّال السود توقّع عقدًا مع شركة كبرى.

وبذلك تحوّل تضامنهم إلى بذرة نمت منها حركة الحقوق المدنية التي كان لها أن تغيّر طبيعة القرن العشرين.

وكان الرئيس أوباما قد صرّح حول هذا الموضوع بقوله “أريد للأجيال القادمة أن تعرف أنه في حين ساعد الحمّالون في شركة بولمان على دفع حقوقنا قدمًا في مجالات التصويت، والعمل، والعيش على قدم المساواة، فإن إرثهم يتعدّى ذلك بكثير. فهؤلاء الرجال والنساء، الذين لم تكن لديهم رتبة، أو ثروة أو مركز، كانوا حجر الأساس لنشوء طبقة متوسطة جديدة. إذ وفرّ هؤلاء الرجال والنساء لأبنائهم وأحفادهم فرصًا لم تكن متوفرة لهم من قبل على الإطلاق.”

يُذكر أن ميشال أوباما (قرينة الرئيس الأميركي والسيدة الأولى حاليًا بالولايات المتحدة) هي حفيدة لأحد أعضاء نقابة الحمّالين في عنابر النوم بعربات السكة الحديد، والتي وصفها مؤسّسها بأنها “حرس الطليعة للثورة الكبيرة والمعنوية من أجل فرص العمل والحرية.”