حرية التعبير تعني الكثير للأميركيين. فقد وجدت دراسة* أن الأغلبية الساحقة من الشعب في الولايات المتحدة تعتقد أن الناس يجب أن يكون لديهم القدرة على التعبير عن أفكارهم بحرية- من دون تدخل الحكومة- في الأماكن العامة، أو في الصحف، أو على شبكة الإنترنت.

ويؤمن هؤلاء الأميركيون بأن حقهم في التعبير عن أفكارهم بحرية ينبغي الدفاع عنه بموجب التعديل الأول للدستور. ولكن كما أوضح الراحل أوليفر ويندل هولمز، القاضي في المحكمة العليا، فإن الدفاع عن حرية التعبير يعني الدفاع ليس فقط “عن الفكر الحر لأولئك الذين يتفقون معنا ولكن عن حرية الفكر الذي نكرهه”.

Justice Oliver Wendell Holmes seated at desk (Library of Congress)
القاضي أوليفر ويندل هولمز كان قاضيا في المحكمة العليا في الفترة من العام 1902 إلى العام 1932. (Library of Congress)

طلبنا من يوجين فولوخ، وهو خبير في حرية التعبير وأستاذ في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أن يختار ثلاث قضايا في المحكمة العليا تبين كيفية حماية حرية التعبير في الولايات المتحدة، وكذلك نوع الخطاب الذي لا يتمتع بالحماية.

حتى الخطاب المسيء يتمتع بالحماية: براندنبرغ ضد أوهايو (1969)

في العام 1964، اعتقل زعيم فرع منظمة كو كلوكس كلان، وهي منظمة عنصرية، لدفاعه عن العنف في خطاب ألقاه خلال تجمع احتجاجي تم تصويره. وفي تصريحاته، تحدث عن الانتقام والأخذ بـالثأر من الأميركيين الأفارقة واليهود- مستخدمًا كلمة اختلقها (revengeance) وهي مزيج من كلمتين إنجليزيتين تعنيان الثأر والانتقام. وقررت المحكمة العليا أن الدستور يحمي الخطاب الاستفزازي المُلهِب للمشاعر.

فقد رأت المحكمة أن ثمة تمييزًا بين الخطاب الذي يؤيد أو يدافع بطريقة عامة عن الفعل الجنائي الذي قد يؤدي لاقتراف جريمة والخطاب الذي يحرّض على ارتكاب جريمة فورية. ويوضح فولوخ، “ولذلك إذا كان شخص ما يلقي خطابًا أمام جمهور خارج مبنى ويقول ’هيا نذهب ونحرق هذا المبنى‘، فقد يُعاقب على قوله هذا.”

ويواصل فولوخ، “إن الانتقاد الكبير للقواعد القائمة والقوانين القائمة والمؤسسات الاجتماعية القائمة يتضمن الانتقاد لخطاب يمكن اعتباره مشجعًا على سلوك غير قانوني.” ويضيف أن “الناس بحاجة إلى أن يكونوا أحرارا للتعبير عن تلك الآراء.”

أهمية الصحافة التي لا تخاف: صحيفة نيويورك تايمز ضد سوليفان (1964)

في العام 1960، نشرت صحيفة نيويورك تايمز إعلانا دعمًا لحركة الحقوق المدنية التي رفضت إجراءات الشرطة في مونتغمري، بولاية ألاباما. غير أن مفوض السلامة العامة في مونتغمري قام برفع دعوى قضائية ضد الصحيفة بتهمة القذف والتشهير (نشر بيانات كاذبة) لأن بعض الادعاءات الواردة في الإعلان كانت خاطئة بشكل واضح يمكن إثباته.

New York Times advertisement that reads 'Heed Their Rising Voices' (National Archives)
الإعلان الذي كان سبب قضية شركة صحيفة نيويورك تايمز ضد سوليفان. (National Archives)

قضت المحكمة العليا بأن الصحيفة، وعلى الرغم من الادعاءات الكاذبة، كانت محمية دستوريًا في هذه الحالة لأنها لم تنشر المعلومات غير الدقيقة عن علم أو عن استهتار.

يقول فولوخ إن السابقة الهامة لهذه القضية هي أن “الأخطاء غير المتعمدة تجاه المسؤولين الحكوميين يجب أن تكون محمية دستوريًا حتى لو كانت كاذبة وتسبب ضررا للمسؤول لأنه بخلاف ذلك سيتم تثبيط الناس عن انتقاد المسؤولين الحكوميين.”

حرية اختيار كلماتك: كوهين ضد كاليفورنيا (1971)

اعتقل بول كوهين البالغ من العمر تسعة عشر عامًا لارتدائه سترة داخل مبنى محكمة في كاليفورنيا عليها عبارات احتجاج على التجنيد الإجباري للحرب بلغة فاحشة وبذيئة. وقالت محكمة أدنى درجة إن كوهين لديه الحق في التعبير عن رأيه علنا ضد التجنيد الإجباري، ولكن ليس لديه الحق في القيام بذلك بلغة فاحشة وبذيئة في مكان عام.

وعندما طعن في القضية أمام المحكمة العليا، لم توافق المحكمة العليا على ذلك الحُكم. وقال فولوخ: “المحكمة قالت إنه من المهم أن يكون الناس أحرارًا في اختيار كلماتهم، حتى لو كانت تلك الكلمات كلمات غاضبة، وحتى لو كانت كلمات يُنظر إليها على أنها كلمات مسيئة. وهذا في حد ذاته يمكن أن يكون جزءًا هامًا من الرسالة المراد توجيهها.”

هل هذا يعني أنك يمكن أن تقول أي شيء في أي وقت؟

يشير فولوخ إلى أن كلا من هذه القضايا يُظهر أيضًا أن القيود على حرية التعبير محددة وضيقة جدًا.

ففي قضية زعيم كو كلوكس كلان الذي يدافع عن أفعال من شأنها أن تكون جرائم إذا تم تنفيذها، أوضح قرار المحكمة العليا أنه إذا كان خطابه يشجع جمهورًا على ارتكاب جريمة على الفور- مثل أن يقوم على الفور بأعمال نهب أو شغب أو حرق للمباني- فهذا النوع من الخطاب لن يكون محميًا بموجب التعديل الأول.

وفي قضية الصحيفة التي نشرت معلومات غير دقيقة، فإن هذا الشكل من التعبير لن يكون محميًا بموجب التعديل الأول إذا نشرت الصحيفة الأكاذيب عن علم وبهدف.

أما استخدام عبارات تتضمن الفحش والبذاءة في مكان عام فلن يكون بالضرورة محميًا، كما يقول فولوخ، إذا كان موجّهًا إلى شخص معين، وكان المقصود منه أن يكون تنابزا أو تشاجرا بالكلمات.

*  باللغة الإنجليزية