أرادت راشيل بيكويث، البالغة من العمر 8 سنوات، مساعدة الأطفال في أفريقيا للحصول على المياه النظيفة. فطلبت من المهنئين بعيد ميلادها أن لا يشتروا لها الهدايا، بل أن يتبرعوا لمؤسسة خيرية للمياه. فجمعت ما يزيد عن 200 دولار قبل أن تلقى مصرعها في حادث سير بعد شهر من عيد ميلادها.

وإحياءً لذكرى راشيل، قامت عائلتها وأبناء رعيتها بتبني قضيتها. فسردوا قصة راشيل على الفيسبوك وتويتر– وجمعوا ما يربو على 1.2 مليون دولار.

إن قصة راشيل ما هي سوى مثال واحد حول كيفية استخدام الناس لوسائل التواصل الاجتماعي للترويج للقضايا الاجتماعية وتغيير طريقة جمع التبرعات الخيرية خلال العملية. يتعلم حوالى نصف  الأميركيين تقريبًا حول القضايا الجديرة بالاهتمام عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، وفقًا لشركة أفيكترا (Avectra)، التي أصبحت الآن جزءًا من شركة أبيلا (Abila Inc)، التي تبيع برامج الكمبيوتر إلى المؤسسات التي لا تبغي الربح.

تغيير حياة الناس

كانت المنظمات الخيرية وغيرها من المجموعات التي لا تبغي الربح تعتمد تقليديًا على الرسائل، وتطوير المانحين الرئيسيين، والمنح والمناسبات الاجتماعية لجمع الأموال في سبيل دعم قضاياها. ولا تزال هذه الأساليب تولد معظم المساهمات الخيرية، نظرًا لأن نسبة 46 بالمئة فقط من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 65 عامًا أو أكثر- غالبية المانحين- يستخدمون الإنترنت، وذلك حسبما أكده مشروع أبحاث الإنترنت الذي أجرته مؤسسة بيو للأبحاث 2013.

ومع ذلك، فإن المنظمات التي لا تبغي الربح والأفراد الذين يتبنون قضية يستفيدون بشكل متزايد من وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت لتأسيس هوية أو علامة تجارية معروفة، وجذب المانحين المحتملين والاحتفاظ بالمانحين الحاليين، وجعل الداعمين أكثر انخراطًا في قضيتهم.

Dancer and cheering crowd
مارثون للرقص الخارج عن المألوف أقيم في العام 2012 في جامعة ولاية بنسلفانيا وجمع أكثر من 10 ملايين دولار لمستشفى للأطفال (Courtesy of Penn State/flickr).

تقول زوي أمار، مستشارة التسويق والاتصالات الرقمية لشركة مركزها في لندن، “إن الأمر لم يعد يتعلق أبدًا بقضيتك. إنما يتعلق بكيفية إيصال رسالتك”. وتستشهد زوي بالمسابقة المعروفة باسم تحدي دَلو الثلج كمثال على ذلك. جمعت تلك الحملة أكثر من 100 مليون دولار في العام 2014 لدعم الأبحاث حول مرض عصبي نادر نسبيًا ولكنه مدمر يسمى التصلب الجانبي الضموري.

أكدت أمار، أن “كل منظمة لا تبغي الربح لديها قصة مقنعة لسردها على الناس”. وتابعت، “كل ما تحتاج إليه هو أن تكون خلاقًا”. يميل مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي إلى الاستجابة بشكل أفضل للقصص الشخصية المروية بطريقة مقنعة- وفي معظم الأحيان من خلال الصور الجذابة وأفلام الفيديو المثيرة للاهتمام والرسائل الحديثة العهد.

تمنح القصة المقنعة المنظمة الخيرية فرصة لتمييز نفسها، ولفت الانتباه إلى مهمتها وجذب مانحين محتملين جدد إلى حملة جمع التبرعات. القصص الشخصية لمتلقي المساعدات أو المانحين المكرسين تنجح كثيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تنجح أيضًا الأعمال البهلوانية والتحديات الفكاهية أو الطريفة. كان المكوّن الرقمي لتحدي دَلو الثلج يتضمن أفلام فيديو تصور أناس يفرغون دلوًا من الماء المثلج على رأس شخص ما. تشجع منظمة موفمبر الرجال على إطالة الشوارب خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر في كل عام لدعم صحة الرجال.

Man with oversize facial hair
هل تريد أن تلمس؟ قدم تبرعًا (Courtesy of Darrell Miller/flickr)

ذكر أكثر من نصف الأميركيين الذين يدعمون المنظمات الخيرية أنهم تأثروا بسرد القصص المقنعة، وفقًا لواغينير أدستروم، شركة العلاقات العامة.

ولكن القصص المقنعة لوحدها لا تحقق الاستدامة لعمل المنظمات الخيرية إذا لم تكن شفافة في التصريح عن نفقاتها الإدارية وكيفية استخدام الأموال التي تجمعها. وتؤكد ساندي ريس من مؤسسة استشارية لجمع التبرعات، تدعى “احصل على تمويل كامل” (Get Fully Funded)،  إن المانحين على الانترنت يريدون أن يعرفوا أين تذهب أموالهم وما هو الشيء المفيد الذي تنجزه. ولهذا ينبغي على المنظمات الخيرية أن “تركز أكثر على الحياة التي يتم تغييرها، وبدرجة أقل على حاجتها لتلبية أهدافها المتعلقة بميزانيتها”، كما قالت للموقع الإلكتروني، brandwatch.com.

children around water pump in Africa
الآن، يمكنهم أن يلعبوا حتى في المياه النظيفة في هذه القرية الرواندية (Courtesy of charity: water)

خير مثال حول كيفية تمكن وسائل التواصل عبر الإنترنت من تحقيق قدر أكبر من الشفافية في الأعمال الخيرية هي منظمة تشاريتي: واتر charity: water ، المفضلة لدى راشيل التي تؤمن إمكانية الوصول إلى المياه النظيفة في العالم النامي. تتعقب هذه المنظمة التبرعات الفردية، وتثبت انتهاء مشاريع المياه بعرض صور وإحداثيات لنظام GPS على خرائط غوغل.

حقل منافسة متكافئ

خلقت وسائل التواصل الاجتماعي حقل منافسة أكثر تكافؤًا في عالم المنظمات الخيرية حيث  تستطيع من خلاله الجمعيات الخيرية الصغيرة والكبيرة، الحالية والجديدة، أن تزدهر.

وقال آدم هلافا، من المنظمة الخيرية أجيال متحدة (Generations United)، للموقع الإلكتروني brandwatch.com، “إن المنظمة الخيرية، المكوّنة من شخص واحد يمكنها أن تخلق محتوى وتتشاركه مع عشرات الآلاف من الناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مجانيًا. على سبيل المثال، أصبح جاك هندرسون، 6 سنوات، حدثًا مثيرًا على الإنترنت في العام 2011 عندما عرض أن يرسم “أي شيء” مقابل تبرعات لمستشفى اسكتلندي يعالج أخاه الأصغر. رسم جاك أكثر من 500 صورة وجمع ما يقرب من 65 ألف جنيه استرليني (حوالى 100 ألف دولار).

استنادًا إلى دراسة أجراها العام 2014 الباحثان غريغوري ساكستون وليلي وانغ، فإن حجم شبكة التواصل الاجتماعي على الانترنت لأي منظمة تكون أكثر أهمية لجمع التبرعات رقميًا من كفاءتها المالية أو حجم أصولها المالية، وهما عاملان رئيسيان لجمع التبرعات حاليًا.

لا يشكل الحصول على عدد كبير من الناس “المماثلين” والأصدقاء على الفيسبوك سوى الخطوة الأولى لبناء ووجود مجموعة من الناس حول مهمة المنظمة الخيرية.

تقول آمار إن “التواصل هو شيء ولكن التأثير شيء آخر”، ثم تتابع أن وجود مجموعة صغيرة من المناصرين المنخرطين بقوة بالنسبة لمنظمة خيرية، يمكنه أن يحدث فرقًا أكبر من مجموعة  كبيرة من المناصرين الذين لا يفعلون سوى النقر على زر.

وفقًا للخبراء، فإن بناء مجموعة دولية على الانترنت يتطلب اتصالات حديثة وجذابة بصريًا مع أصدقاء ومناصرين. فعلى سبيل المثال، تستخدم جمعية الصليب الأحمر الأميركي وسائل التواصل الاجتماعي من أجل شكر المانحين والمتطوعين بشكل فردي ونشر الصور والأخبار من المناطق المنكوبة، علاوة على نشر رسائل “الشكر” من متلقي المساعدات والتقارير عن المناطق المنكوبة.

طلاب في جنوب أفريقيا يقودون دراجات هوائية تبرعت بها منظمة وورلد بايسكل ريليف (© AP Images)

تشجع بعض المنظمات الخيرية حتى أعضاء شبكتها الاجتماعية على إطلاق حملات جمع التبرعات الفردية نيابة عنها. فعلى سبيل المثال، تطلب المنظمة وورلد بايسكل ريليف (World Bicycle Relief )، التي تزوّد الطلاب والعاملين في مجال الرعاية الصحية وروّاد الأعمال في أفريقيا بدراجات هوائية، من مناصريها استضافة مأدبة عشاء، وبيع الليموناضة، وتنظيم مباراة لركوب الدراجات الهوائية أو تقديم أفكار رائعة أخرى لإحداث فرق. وتقدم لهم المساعدة من أجل تحقيق أهدافهم لجمع التبرعات.

يميل انخراط وسائل التواصل الاجتماعي مع المنظمات الخيرية إلى أن يؤدي إلى انخراط أكبر بصورة عامة. فاستنادًا إلى منظمة واغنر أدستروم (Waggener Edstrom)، فإن أكثر من نصف الأميركيين الذين عملوا مع منظمات خيرية من خلال الشبكات الاجتماعية قد استلهموا الأفكار  للقيام بالمزيد من الأعمال مثل التبرع بالملابس أو الطعام، والتطوع أو المشاركة في حفل خيري محلي.

“مع بلوغ جيل الألفية سن الرشد، سوف تنمو أهمية وسائل التواصل الاجتماعي للقضايا الاجتماعية والمنظمات الخيرية”.

تتطلب وسائل التواصل الاجتماعي والمنظمات الخيرية إتقان المهارات الرقمية وأساليب الاتصالات. وبإمكان المنظمات الخيرية التي تحتاج إلى تعزيز المهارات الرقمية لموظفيها اللجوء الى برنامج الانترنت online facilitators  أو الحصول على المشورة من المواقع الإلكترونية nonprofithub.org، أو Wired magazine، أو Huffington Post.

تقول أمار إن “جامعي التبرعات في المنظمات الخيرية الذين يملكون المهارات لا يحدهم شيء سوى خيالهم.”

في العام 2012، استقبل ملجأ لجمعية الصليب الأحمر الأميركي أناسًا تم إجلاؤهم من منازلهم في نيويورك بسبب إعصار ساندي (© AP Images)