على بعد 109 كيلومترات من مدينة القاهرة، و33 كيلومترًا شمال مدينة الفيوم، بالقرب من مدينة كوم أوشيم، كانت توجد مدينة مزدهرة ونابضة بالحياة، اسمها كرانيس، قبل حوالى 3850 عامًا خلال حكم الممالك الوسطى والجديدة تحت حكم الفرعون أمنحتب الثالث، وبعد ذلك تحت حكم رمسيس الثاني. وقد كانت مستوطنة زراعية هامة للإغريق والرومان. كما استُخدمت كمستوطنة لقدامى المحاربين من الجيش الإغريقي خلال القرن الرابع الميلادي. لكن مع مرور الزمن، تحوّلت كرانيس إلى منطقة مهجورة بعد تعرّضها لعدة عواصف رملية طمرت معظم أجزائها.

bd353a_d7f530eaa84f447ea3f8266b4e5b9a08
مدخل المتحف المفتوح “كيمان فارس” بمدينة كرانيس (الصورة لشركة أركينوس ( ِAECHiNOS))

جهود الترميم بتمويل أميركي

بدأت بعثة استكشافية بقيادة فريق من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، وبالتعاون مع جامعة أوكلاند بنيوزيلاندة، وجامعة غرونينغن الهولندية وأطراف دولية أخرى، البحث في المنطقة منذ العام 2005 في ما يُعرف باسم مشروع الفيوم لأغراض بحثية دمجت بين المحافظة على التراث وتدريب العاملين بالمجلس الأعلى للآثار في مصر على الأساليب التقنية للمحافظة على الآثار.

وبتمويل قدره 97 ألف دولار من صندوق السفراء للحفاظ على التراث الثقافي، وفي إطار علاقة شراكة جمعت بين الولايات المتحدة والحكومة المصرية وشركة أركينوس للهندسة المعمارية، تم ترميم المنطقة وإحيائها لتصبح متحفًا مفتوحًا أطلق عليه اسم متحف “كيمان فارس”، وهو الاسم القديم لمدينة الفيوم في العصور الفرعونية ويعني المستصلَحة. يضم المتحف بقايا معبدين كانا مكرسين لعبادة الإله سوبك أي التمساح، وهو الإله الذي كان يُعبد في الفيوم إبان العصور الفرعونية؛ وحمامًا رومانيا؛ ومجموعة من المنازل؛ وفي الجهة المقابلة مقابر المدينة.

الحمّام الروماني

أطلال مدينة كرانيس قبل ترميمها (الصورة لمشروع الفيوم)

يُذكر أن مشروع الترميم اهتم بشكل خاص بالحمّام الروماني الذي وصفته الشركة المنفذة بأنه نموذج رائع للحمّامات اليونانية العامة التي كانت موجودة في مصرـ وبأنه يتميز بتفرده من الناحية المعمارية حيث إنه يضم غرفًا متعددة لاستخدامات مختلفة رغم صغر حجمه. وكانت غرف الاستحمام مبنية في الأصل من الطوب الأحمر تعلوها قباب وأقبية من الطوب نفسه، بينما كانت القاعة الكبيرة في الحمّام مسقوفة بالخشب، الذي أصبح غير موجود في الوقت الراهن. وكان تسخين الحمام يتم بشبكة تحت الأرض يُضخ خلالها الهواء الساخن. وتدل الألوان الزاهية لزخارف النباتية المتبقية في الحمّام على مدى جمال الأصل.

وقرّر القائمون على مشروع ترميم الحمّام الروماني أن يكون هدفهم هو المحافظة على ما تبقى منه وحمايته مما يمكن أن يتعرّض له من تلف في المستقبل، وعدم محاولة إعادة بناء أي جزء مفقود.

ومن أجل إتاحة أكبر قدر من المعلومات عن الموقع، قامت الشركة بإعداد نموذج إلكتروني تفاعلي للموقع على شبكة الإنترنت، مسجّل عليه تعليق مفصل لكل ما حدث.

تقدير التراث الثقافي يعزز التفاهم بين الشعوب

وفي الاحتفال بافتتاح المشروع الذي جرى في وزارة الآثار المصرية قبل بضعة أشهر، قام وزير الآثار المصري الدكتور ممدوح الدماطي والسفير الأميركي بالقاهرة ستيفن بيكروفت بجولة في معرض يضم 55 صورة توضح العمل الذي تم إنجازه خلال العامين الماضيين في منطقة كرانيس، كما شاهدا فيلمًا وثائقيًا قصيرًا بعنوان لمحات من المدينة الضائعة. قال السفير بيكروفت إن المشروع يؤكد أن “تقدير التراث الثقافي أحد أفضل السبل لتعزيز التفاهم بين الشعوب.” ومن جانبه حرص وزير الآثار المصري على الإشارة إلى أن المشروع تم تمويله بمنحة من صندوق السفراء للحفاظ على التراث الثقافي، وأن هذه المنحة تقدم كل عام عن طريق مسابقة سنوية على مستوى العالم لتمويل أحد المشروعات الكبرى في دولة من الدول ومن بينها دول عربية. كما لفت الأنظار إلى أن هذه المنحة قد فاز بها مؤخرًا مشروع تطوير منطقة أبيدوس الأثرية في محافظة سوهاج المصرية، وهي منطقة زاخرة بالآثار المصرية القديمة يعود تاريخها إلى خمسة آلاف سنة، ويقول معظم علماء الآثار إنها كانت عاصمة مصر الأولى أثناء حكم الأسر الفرعونية الأربع الأولى.