كيري يحث على التوصّل لاتفاقية طموحة في محادثات باريس حول المناخ

الوزير كيري يلقي كلمته في مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP21) في باريس، الأربعاء 9 كانون الأول/ديسمبر، 2015 (© AP Images)

كلمة وزير الخارجية جون كيري حول المؤتمر الـ21 لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP21)، والإجراءات الواجب اتخاذها بعد باريس. (باللغة الإنجليزية).

لوبورجيه

باريس، فرنسا

9 كانون الأول/ديسمبر، 2015

وزير الخارجية كيري: شكرًا لك، يا تود، على كل هذه الكلمات اللطيفة. إنني حقًا، أقدّر لك ذلك. ولربما كنت أفضل أن أوصف بعبارة أقل وطأة من الصواريخ الموجّهة. ولكنني أقدر ذلك. على الأقل إنها تُنجز المهمة. سعادة السفير هارتلي، إنه لمن دواعي السرور حقًا أن تكون معنا هنا، وجينا مكارثي، التي ترأس وكالة حماية البيئة لدينا، شكرًا جزيلا لك على وجودك هنا. شكرًا لك.

طاب يومكم جمعيًا. شكرًا جزيلًا على حضوركم معنا هنا اليوم. وأود أن أشكر تود ستيرن، الذي قام بعمل استثنائي على مدار السنوات الماضية للتحضير لهذا، وما سبقه من استعدادات. هذا يتطلّب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب. إنني أعلم كيف تكون مثل هذه الاجتماعات. لقد طاف مختلف أنحاء العالم، واجتمع بالوزراء، (وتناول الموضوع معهم) بعيدًا جدًا عن الأضواء وكاميرات الإعلام. لقد سارت هذه العملية بثبات والتزام كبيرين، وإننا يا تود نشعر لك بالامتنان العميق على إدارتك لفريقنا. وأود أن أشكر وفد الولايات المتحدة بالكامل الموجود هنا. إنه لعمل شاق وصعب. كما أود أيضًا أن أتقدّم بالشكر إلى جميع أعضاء الوفود الأخرى الذين حضروا إلى هنا. لا يوجد هناك وزير، ولا يوجد هناك وفد إلا وعمل بكل جد واجتهاد، لقد عملوا طوال الأيام والليالي ولفترات طويلة حتى الآن. إننا ممتنون لهم جدًا جدًا.

شكرا لكم جميعًا، على الالتزام بتسخير الكثير في سبيل هذا الجهد الضخم. وأيضًا، لا يسعني إلا أن أعرب لكم عن عظيم الشكر على إيجاد الوقت للحضور إلى هنا خلال هذا الأسبوع الذي يسبق الأسبوع الأكثر ازدحامًا بالمشاغل.

وكما ذكر تود، هذا ليس المؤتمر الأول لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية الذي أحضره.

ولكنني سوف أقول لك شيئًا ما– هناك شيء مختلف يميّز هذا المؤتمر.

أولًا، لقد كان مستوى الإعداد له استثنائيًا– وإنني أعلم أن الكثير من الفضل في ذلك يعود إلى مضيفينا، إلى الفرنسيين، وعلى وجه الخصوص لصديقي وزميلي لوران فابيوس. وأشكر الفرنسيين على دورهم القيادي.

إنه يختلف أيضًا، لأنه قد تم بالفعل، وبشكل منفصل– حتى قبل بدء المحادثات- إحراز قدر كبير من التقدّم.

في العام الماضي تضافرت الولايات المتحدة والصين-أكبر الاقتصادات في العالم وأكثرها تسببًا في انبعاثات الغازات، حيث تتسبّبان في ما يقارب الـ40 في المئة من الانبعاثات في العالم- وأعلنتا عن الالتزام الطموح لكل منهما بتخفيف الانبعاثات لفترة ما بعد 2020. وكان هذا دليلا على أنه يمكن إزالة الحواجز التي ظلت تعترضنا على مدى عقود من الزمن.

ومنذ ذلك الوقت، قدم أكثر من 180 بلدًا– يمثل نسبة 95 في المئة من الانبعاثات العالمية– التزامات فردية. وهذه تعدُّ بادرة– وقد قدموا تلك الالتزامات قبل مجيئهم إلى هنا، وقد بلغ العدد الذي كان 180، الآن 186. ولكنهم أتوا إلى هنا ودللوا عن طريق الإعلان عن تلك القرارات أنهم عاقدو العزم والتصميم، إننا مصمّمون على النجاح هنا في باريس. إنه أمر استثنائي– إنني لم أرَ قط طوال حياتي في الخدمة العامة مثل هذا- 140 من رؤساء الحكومات جاؤوا جميعًا الى باريس في نفس اليوم، لتوضيح التزامهم الشخصي بالتوصّل إلى اتفاق عالمي.

إنهم جميعًا يدركون، كما ندرك نحن– وقد أوضحوا هنا في بياناتهم– أننا قد بلغنا لحظة حرجة. وبتنا نرى زخمًا للتوصل إلى اتفاق لم نشهد له مثيلًا من قبل. ولكننا في الوقت نفسه، نشهد بشكل مباشر تأثيرات تغيّر المناخ. وقد باتت التوقّعات التي ظل يردّدها العديد من العلماء على مدى عقود من الزمن، تتكشّف أمام أعيننا– وفي بعض الحالات، تحدث بطريقة أسرع وبكثافة أكبر من التنبؤات الأولية.

وهكذا فإننا نجتمع هذا الأسبوع في باريس، مع العلم أن مؤتمر الأطراف، ومؤتمر الأطراف هذا، قد يكون أفضل فرصة لدينا لتصحيح مسار كوكبنا. ونحن نجتمع لرسم مسار جديد– مسار مستدام– لمنع أسوأ العواقب الناجمة عن تغيّر المناخ، وأكثرها تدميرًا، من الحدوث.

إنني أعلم أن الاعتماد على أي منكم أيها الحاضرون هنا لا يمثل أي مخاطرة- فهذا هو السبب في وجودكم هنا في المقام الأول. والحقيقة أن تغيّر المناخ يؤثر على كل إنسان، وفي كل بلد، على كوكبنا. وإذا كان هناك من تحدِّ يتطلّب تعاونًا عالميًا ودبلوماسية فعّالة، فهذا هو ذلك التحدي. وما من أحد أكثر إدراكًا لهذه المشكلة من مجتمع مؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ- أنتم، أيها الرجال والنساء الذين ظللتم تجلسون على طاولات المفاوضات، تنظمون الفعاليات الجانبية والمظاهرات، وتدعون لاتخاذ إجراءات فعّالة، وكتابة التقارير عن المفاوضات ومساعدة بقية العالم على معرفة ما يحدث وما لم يحدث.

ومع ذلك، فإنني أدرك أن هناك البعض ممن ما زالوا يصرّون على أن تغيّر المناخ ما هو إلا خدعة كبيرة– أو حتى مؤامرة سياسية. أيها الأصدقاء، إن هؤلاء بعيدون كل البعد عن العلم، حتى أنهم يعتقدون أن ارتفاع مستويات سطح البحر مسألة غير مهمة، لأن المياه الإضافية، في رأيهم، سوف تنسكب على جوانب الأرض المسطحة وتختفي. من الواضح أنهم مخطئون.

وردًا على أولئك الذين ما زالوا يطعنون ويشكّكون في نسبة 97 في المئة من الدراسات حول تغيّر المناخ التي جرت مراجعة استنتاجاتها من قبل زملاء أنداد لمؤلفيها، دعوني أشدّد على التالي: لا يلزم أن تكونوا في عداد العلماء لكي تعرفوا أن الأرض كروية، وأن الشمس تشرق من الشرق وتغرب في الغرب، وأن الجاذبية هي سبب سقوط الأجسام إلى الأرض. وبمقدوركم أن تنتقوا مئات الأمثلة المختلفة عن الأمور البسيطة التي تحدث يوميًا، وتعكس مبادئ العلم وثوابته. ولا ينبغي عليكم أن تكونوا في عداد العلماء، كما يجزم البعض، لكي تلمسوا أن كوكبنا آخذ في التغيّر بطريقة حقيقية ومرعبة وقابلة للقياس.

فكّروا في ما يلي: العقد الماضي كان أشد العقود حرارة في التاريخ. وثاني أشد العقود حرارة كان العقد الذي سبقه، والعقد الذي سبقه كان ثالث أشد العقود حرارة.

وكانت 19 سنة من السنوات العشرين الأشدّ حرارة في تاريخ البشر خلال العقدين الماضيين. وهذا العام في طريقه لأن يصبح الأشد حرارةً- بما فيه شهر تموز/يوليو الذي سجلت درجة حرارته رقمًا قياسيًا.مثر سخونة

وخلال سفري وزيرًا للخارجية، دعوني أقول لكم إني شاهدت مباشرة ما يعنيه ذلك. فقد زرت دلتا نهر الميكونغ، بفيتنام، حيث باتت الفيضانات تهدّد حقول الأرزّ التي ساندت المنطقة اقتصاديًا وماديًا عبر قرون من الزمن. وحينما كنت أصغر سنًا خدمت هناك في حرب دارت بين نظاميْن من نظم الحياة، أما الآن، فإن ما يثير السخرية هو أن المعركة أصبحت بين الحياة نفسها والقوة الكاملة للطبيعة.

في وقت سابق من العام الحالي سافرت أنا والرئيس أوباما إلى ألاسكا التي تعتبر من الجبهات الأمامية في هذا النضال. وهناك التقيت ببعض السكان الأصليين الذين أرغموا على اقتلاع مجتمعاتهم بحثًا عن موطن أكثر أمانًا. وهناك، مشى الرئيس نحو نهر جليدي ووقف عند قاعدته، وهو نهر جليدي تناقص مسافة ميل وربع الميل منذ العام 1815، ومسافة 187 قدمًا في العام الماضي وحده.

في السنوات الأخيرة، ما كنا نعتقد أنه حالة من حالات الطقس الحادة، أصبح اليوم الطقس المعتاد الجديد. ومن النادر الاستماع إلى نشرات الأخبار دون سماع خبر عن عاصفة مدمّرة ما، أو حالة جفاف، أو حريق غابات. وبعض هذه العواصف كنا نختبرها مرة كل 500 عام؛ أما الآن فقد أصبحت تتكرّر كل 25 سنة أو بصورة حتى أكثر تكرارًا. في تشرين الثاني/نوفمبر شهدت مدينة تشيناي في الهند، شهرًا هطلت فيه أكبر كمية من الأمطار في تاريخها. وقد هلك حوالى 300 شخص نتيجة لتلك الفيضانات فيما توفي 18 مواطنًا بعد أن غمرت المياه مولدًا كهربائيًا في مستشفى، وأتلفت الأوكسيجين الذي كان يوفره للمرضى. إذن، دعوني أوضح التالي فقط: إن الولايات المتحدة تقف جنبًا إلى جنب مع أصدقائنا في الهند وقد مددنا يد الدعم والمساعدة للمساهمة في معالجة الأثر المدمّر لهذه الفيضانات.

لكن للأسف فإن الأحداث المماثلة والتي تحطّم الأرقام القياسية لا تنحصر ببلد واحد أو منطقة بمفردها.  فإنها تحدث في كل مكان. ومجتمعةً، إنها بمثابة إشارات تنذر بأنه يتعين على أي شخص عاقل ألا يتجاهلها. وما هو مثير للإزعاج حقيقة هو أن هذا بالضبط ما أخبرنا العلماء بأنه سيتأتّى. فالعلم كان ينبّهنا على مدى عقود، بل يستصرخ ضميرنا. ونحن نعرف كذلك أنه إذا واصلنا المضي في المسار الحالي، ومع بقاء الكثيرين مكتوفي الأيدي ينتظرون شخصًا آخر كي يضطّلع بالمسؤولية، أقول لكم: ستزداد الأضرار أضعافًا مضاعفة.

إذن، جوهر الموضوع هو أنه ما لم تتخذ الأسرة الدولية خطوات جريئة الآن للابتعاد عن الاقتصاد الذي تنبعث منه كميات كربون عالية، فإننا سنواجه أضرارًا لا يمكن تصوّرها لبيئتنا، ولبنيتنا التحتية، ولإنتاجنا الغذائي، وإمداداتنا من المياه، ومن الممكن- للحياة نفسها. ولا تخطئنّ: إذا عجزت الأسرة الدولية عن العمل معًا، وأحجمت عن مجابهة هذا التحدّي، وإذا واصلنا السماح للعقبات المحسوبة أن تخرج إلحاح هذه اللحظة عن مسارها، سنكون عرضة لفشل أخلاقي جماعي تكون له تبعات تاريخية. وإننا لسنا مسؤولين فقط عن أنفسنا، إنما نحن مسؤولون أيضًا عن المستقبل وإن أبناءنا وأحفادنا سيتساءلون بالتأكيد كيف أمكننا، سوية، أن نتعامى إلى هذه الدرجة، وكيف كنا من الناحية الأيديولوجية، بهذه الدرجة من الخلل بحيث نفشل في معالجة الحقائق التي أكدها عدد كبير من العلماء في الكثير جدًا من الدراسات على مدى فترة طويلة من الزمن، وتم توثيقها بقدر هائل من الأدلة.

يا أصدقائي، لن تكون لدينا أية ذريعة بتاتًاـ لا ذرائع بالمرة. ولهذا السبب علينا أن نتصرّف خلال الساعات الـ36 إلى الـ48 القادمة. علينا أن نتمّم العمل. ومؤخرًا طالعت مقالا شبّه هذه المفاوضات بمسلسل روايات تلفزيوني. وكانت كل حلقة من حلقاته دراماتيكية ومثيرة. لكن إذا توقفنا عن مشاهدتها أو العمل لبضعة سنوات ثم عدنا لمشاهدتها أو للعمل، سيحصل ما يلي: سنجد أن المسلسل هو تمامًا كما كان عندما توقفنا عن مشاهدته بنفس مجموعة الممثلين العالقين في نفس الخلافات. وفي كل مرة كنا نجتمع كانت أجراس الإنذار الصادرة عن أمنا الأرض تتعالى بدرجة أكبر وتصبح أكثر دويًا، لتنبهنا إلى أن الوقت آخذ في النفاد.

لحسن الحظ، أننا نعلم، في الحقيقة، أن الوقت لم ينفد بعد. ولهذا السبب يؤمن الكثيرون منّا، وبقوة كبيرة، بما نقوم به هنا. هناك فيض عارم من التأييد الشعبي لهذا العمل في جميع أنحاء العالم. رؤساء بلديات، أفراد، أناس ومنظمات غير حكومية يبادرون إلى العمل ويتقدمون كثيرًا على الحكومات الفدرالية. ولستم بحاجة إلى الانتقال بعيدًا خارج غرف المفاوضات هنا لكي تروا أن العالم بات مستعدًا، وتوّاقًا، ويطالب باتخاذ إجراء عالمي حول تغيّر المناخ. تجوّلوا عبر موقع المؤتمر وسوف تشاهدون منظمات غير حكومية، وروّاد أعمال، وعلماء، وطلابًا، وقادة دينيين، ومشرّعين، ورؤساء بلديات، ورجالًا ونساءً وأطفالًا من جميع مناحي الحياة قد جاؤوا إلى هنا، معتبرين هذه المعركة معركتهم الخاصة. توقفوا عند أي كشك في المنطقة الخضراء أو الزرقاء (في المعرض المرافق للمؤتمر)، وسترون بعض الأشياء التي لا تصدق، التي يسعى إلى تحقيقها المبتكرون في جميع أنحاء العالم، والتي سعوا لتحقيقها منذ سنوات.

فالناس من حول العالم يضعون أيديهم على المبادرة، ويحرّكون مجتمعاتهم الأهلية. ولكن نفس هؤلاء الناس يبحثون عن إشارة واضحة، هنا في باريس، بأن القادة سوف يستوعبون المسألة في نهاية الأمر. إنهم يتطلعون إلينا لخلق إطار عمل سوف يمكنّهم من القيام بأكثر من ذلك. إنهم يتطلعون إلينا لنثبت أن رؤساء الدول الذين تكلموا بحماس كبير في هذا المؤتمر خلال الأسبوع الماضي، وخصّصوا الوقت ليأتوا إلى هنا، يعنون ما قالوه عندما دعوا إلى التوصّل لاتفاق عالمي. هؤلاء المواطنون يتطلعون نحو حكوماتهم لكي تؤكد لهم أخيرًا، أخيرًا مدى التزامنا باقتصاد عالمي قائم على الطاقة النظيفة والذي يدرك كل واحد منا أننا بحاجة إليه، إذا أردنا أن يكون مستقبلنا آمنًا.

ولهذا السبب، في هذه القاعة، أريد أن أكرّر ما قاله الرئيس أوباما في الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة الأميركية لا تدرك فقط دورنا في خلق بعض من هذه المشكلة، ولكننا أيضًا نتحمّل مسؤوليتنا في أن نفعل شيئًا حيالها. وإذا زرتم أجنحة الدول المشاركة هنا في لو بورجيه، سوف ترون أمورًا مهمة تحدث الآن، وتوثق مدى نطاق التزام الناس. هناك دول ذات ظروف مختلفة تمامًا مضطلعة في العمل الجاد والطموح لتغيير قواعد اللعبة على أرض الواقع من أجل الحد من الانبعاثات، من أجل التكيّف مع عالم أكثر دفئًا، من أجل العمل مع القطاع الخاص على خلق نماذج مشروعات أعمال تجارية مبتكرة تتماشى مع أهدافنا المشتركة حول المناخ.

ولكن الحقيقة هي أننا نستطيع أن ننجز أكثر من ذلك بكثير خلال الأيام القليلة المقبلة، خلال الساعات المقبلة وهنا في هذا المؤتمر. والآن، إنني أعلم أنه خلال الاجتماعات التي شاركنا فيها جميعًا كانت القرارات صعبة، وكانت المناقشات معقدة في بعض الأحيان. ولو لم يكن الأمر كذلك، لكان قد تمَّ حل هذه المشكلة منذ زمن طويل. ولكن، أيها السيدات والسادة، الموقف يتطلب- وهذه اللحظة تتطلب– ألا نغادر باريس بدون التوصل إلى اتفاق عالمي طموح وشامل ودائم بشأن المناخ. فعقب عقود من العمل، ومن أنصاف الحلول، والمحاولات الخاطئة للحث على العمل العالمي، بتنا نعلم، كل واحد منا، بالضبط ما يجب أن يتضمنه الاتفاق الفعال.

أولاً، وقبل كل شيء آخر، نحن بحاجة إلى اتفاق طموح بقدر ما يمكن. لن نخسر أي شيء في أن نكون طموحين. وفي هذه الليلة، نعلن رسميًا- الولايات المتحدة- بأننا جزء مما ندعوه ائتلاف الطموحات العالية. هذه مجموعة من البلدان الملتزمة التزامًا تامًا بضمان أن يكون الاتفاق طموحًا بالفعل. سوف يتطلب التصدي لتغيّر المناخ تغييرًا جذريًا في الطريقة التي نقرر بها توفير الطاقة لكوكبنا. ولا يمكن لهدفنا أن يكون شيئًا أقل من تحقيق تحول ثابت في الاقتصاد العالمي.

وهذه ليست مجرّد أحلام بعيدة المنال. إنها ليست مجرّد فكرة وهمية غير محتملة التحقيق، كأنها بطريقة ما موجودة هناك، ونحن بانتظار “غودو”– الشخصية الخيالية- ليأتي ويعطينا الجواب. فالأمر ليس كذلك. هذه ليست الحالة التي يكون فيها علينا أن نأمل ونصلي كي يأتي شخص ذكي ويجد لنا الحل. كلا. فالحل موجود بين أيدينا. وهذا هو الجزء الأكثر إحباطًا في هذا الموضوع. الحل لمشكلة تغيّر المناخ يكمن في سياسة الطاقة. بالتأكيد، سوف نستمر في ضخ الغاز والنفط لسنوات طويلة. إننا نعرف ذلك. ولكن حتى الدول التي تعتمد اقتصاداتها إلى حد كبير على إنتاج النفط بدأت تتحول إلى إنتاج الطاقة المتجدّدة. بالمناسبة، فالولايات المتحدة التي تناصر هذا هي أكبر منتج في الوقت الراهن للغاز والنفط في العالم.

إلا أننا نجد مثالًا على هذا التحوّل في دبي، التي التزمت مؤخرًا بإنشاء صندوق بقيمة 27 بليون دولار للوصول إلى هدف الإمارات المتمثل في تركيب ألواح شمسية على جميع المباني بحلول العام 2030، وبإعادة تجهيز المباني القديمة لتصبح أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. ينبغي علينا التأكد من أن هذا الاتفاق يسهل خيارات سياسة الطاقة التي من شأنها أن توفّر التحوّل الذي نحتاج إليه، ولكننا ندرك أيضًا قدرات وطاقات واحتياجات الدول المختلفة.

إننا بحاجة أيضًا إلى اتفاق مرن. كل دولة على وجه الأرض عندها مجموعة من الظروف الوطنية الخاصة بها، التي ينبغي عليها أخذها بعين الاعتبار، في سياساتها الخاصة، في اقتصادها الخاص، في قدراتها الذاتية. إننا نحترم ذلك. ومن الواضح أن هذه العوامل معرضة للتغيير، من سنة إلى أخرى. وهذا هو السبب في أن المرونة مهمة جدًا في هذا الاتفاق، وينبغي أن تكون مغروسة في أركانه الأربعة.

والآن، لقد انتقد بعض الناس فكرة إنشاء هدف محدد على مستوى الوطن. ولكن دعوني أقول لكم شيئًا. نظرًا لكوني حضرت مؤتمر كيوتو، وحاولت تمرير ذلك القانون في مجلس الشيوخ الأميركي، ولم أتمكن من تحقيق ذلك، فإننا تعلمنا من دروس الماضي. إن السبب الذي جعل العديد من البلدان موجودة الآن حول الطاولة، السبب الذي دفع جميع الدول تقريبًا– جميع الدول ما عدا 10- للإعلان عن أهدافها الخاصة، هو بالضبط أن ذلك الحل ليس من نوع الحلول التي يكون فيها حل واحد يناسب الجميع. ولأننا تعلمنا، عبر السنوات، أن كل بلد يحتاج لاتخاذ إجراءات استنادًا إلى تقييماته وقدراته الخاصة، وهذه الأهداف سوف تتغير مع مرور الزمن.

وهكذا، كل واحد يفعل ما يمكنه القيام به، بعد الخروج من باريس. ولكن لا أحد سيكون مرغمًا على بذل أكثر مما هو ممكن. وينبغي عدم تخويف أي طرف من العواقب. ولن يكون هناك عقاب، لا عقوبات. إنما ينبغي أن تكون هناك مراقبة.

والآن، نحن جميعًا في هذا معًا، شركاء. وهذا هو المفهوم الأساسي الذي سيجعل هذه الاتفاقية تنجح، وهو ما سيمكنها من النجاح. بيد أنني أشدد على أن حق كل طرف في القدوم إلى طاولة المفاوضات ومعكم تخفيضاتكم المحددة على الصعيد الوطني، لا يعني أن البلد الذي يوقّع على هذا الاتفاق يسمح له بعدم فعل أي شيء، أو ما يشبه عدم القيام بأي شيء. لقد دعمت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة فكرة وجود مسؤوليات مشتركة ولكن متباينة، وقدرات كل بلد، مع قيام كل واحد منا بأفضل ما بوسعنا. ومن الإنصاف جدًا أن تكون لدينا توقعات أكبر للبلدان المتقدمة، ويكون هناك معيار متدرج طموح والأساليب المتعددة لكل بلد آخر. إننا ندرك ذلك.

ولكن من الإنصاف لمواطني هذا العالم، أن يكون هناك شيء واحد ينبغي على هذا الاتفاق التأكد من أنه مشترك بين جميع الدول- تذكروا، إنها مسؤوليات مشتركة ولكنها متباينة. هذا الاتفاق، في حال تمكنا من التوصل إلى الاتفاق الذي نحاول التوصل إليه، حافل بالتمايز لأن كل بلد يأتي إلى طاولة المفاوضات مع خطته الخاصة. هذا هو التمايز. ولكن علينا أن نعرف أن كل واحد يخضع أيضًا لنفس نظام الشفافية حول التقدم الذي أحرزه. لماذا؟ لأن الدروس التي تمَّ اكتسابها، ولأن التكنولوجيات التي يجري تطويرها وخلقها وتنفيذها ونشرها، ولأن التخفيضات التي تحققت، سيكون ممكنًا استنساخها على يد الآخرين كي يتمكن الناس من البناء على أساس تلك التجربة- وهذا ما سيساعدنا في تأمين الأفضل، الوسيلة الأكثر فعالية للمضي قدمًا.

يمكننا– بل يتوجب علينا- أيضًا اتباع استراتيجيات مختلفة لمختلف الأهداف التي يمكننا التوصل إليها، كل واحد منا. وهذا أمر جيّد. ولكن في نهاية المطاف، ينبغي علينا أن نكون مسؤولين أمام بعضنا البعض، وفي النهاية، أن نكون خاضعين للمساءلة أمام الجيل القادم والجيل الذي يليه. وهذا يعني أننا بحاجة لطلب تقارير منتظمة من جميع البلدان حول ما تفعله، ومدى التقدم الذي تحرزه. هذا هو السبيل الوحيد لمعرفة أين نقف كمجتمع عالمي، وإنها الطريقة الوحيدة أيضًا لتوفير الثقة لكل من القطاعين العام والخاص بأن الوعود التي نقدمها لها وزنها الفعلي الذي يدعمها- والثقة التي سوف نحققها جميعًا. تذكروا، أحد الأشياء التي نتوقع فعلًا أن تحدث هنا وما يجعل باريس في غاية الأهمية، ليس لأننا سنغادر هذا المؤتمر مدركين أن كل ما نقوم به سوف يصل إلى تحقيق هدف عدم تجاوز الدرجتين (ألا ترتفع درجة حرارة الأرض أكثر من درجتين)، ولكن ما نقوم به هو إرسال إشارة غير عادية إلى الأسواق، بأن هذه البلدان الـ 186 ملتزمة بالفعل– وبأن ذلك سيساعد القطاع الخاص على نقل رؤوس الأموال إلى ذلك المجال إدراكًا منه بأن هناك مستقبلًا سيكون ملتزمًا بهذا المسار المستدام. ولهذا السبب نحن بحاجة إلى نظام يتصف بالشفافية ويكون ملزمًا قانونيًا. هذا أمر أساسي.

والآن، إننا نحتاج أيضًا إلى اتفاق يشدد على التكيف والقدرة على الصمود.

هناك دول– كما نعلم– يشكل تغير المناخ بالنسبة لها تهديدًا وجوديًا في الوقت الراهن. بالنسبة لهؤلاء، هذه ليست قضية متعلقة بالملحقات أو سنوات الذروة- إنها قضية حياة أو موت. يوم أمس التقيت بزعماء من الدول المكوّنة من جزر- الدول الصغيرة المكوّنة من عدة جزر- الذين أعربوا عن قلقهم المشروع بأن البحر سوف يبتلع دولهم. وحقيقة الأمر هي أن معظم هذه الدول لم تساهم بأي شيء، أو تقريبًا لا شيء- هذه المشكلة في المقام الأول.

وإحدى الحقائق الصعبة التي نواجهها هي أن تأخيرنا الجماعي الآن سوف يعني عدم إمكانية عكس أو وقف بعض الآثار المترتبة على تغير المناخ– وهذا ليس حكمي الشخصي، إنما هو الرأي العلمي مجددًا. لذلك، علينا مسؤولية أخلاقية حول التكيف والاستعداد لتلك الآثار، وتمكين الفئات الأكثر تعرّضًا للخطر من بيننا ليكونوا قادرين على أن يفعلوا الشيء نفسه.

وهذا يعني أننا بحاجة إلى زيادة جهودنا لحشد التمويل لمواجهة تغير المناخ من جميع المصادر الممكنة– من القطاعين العام والخاص. والآن، من الواضح أن أكبر اقتصادات العالم- بما في ذلك الولايات المتحدة– عليها أن تلعب دورًا رئيسيًا في هذا الصدد. هذا هو المنطق السليم. لهذا السبب تعهدت الولايات المتحدة بمبلغ 3 ملايين دولار لصندوق المناخ الأخضر. ولهذا السبب تساهم الولايات المتحدة في الواقع بما يربو على  2.5 بليون دولار سنويًا في تمويل المناخ، بما في ذلك أكثر من 400 مليون دولار سنويًا من الموارد القائمة على المنح للتكيف مع المناخ العالمي.

ولكننا نعرف أن هناك حاجة إلى أكثر من ذلك. لذلك يسرني أن أعلن اليوم أن الولايات المتحدة تعهدت بمضاعفة الاستثمارات العامة القائمة على منح التكيف بحلول العام 2020. (تصفيق). ونحن مستعدون للقيام بدورنا. ولن نترك الدول الأكثر تعرّضًا للخطر من بيننا، بكل ما للكلمة من معنى، أن تحاول الصمود في وجه العاصفة وحدها.

والآن، ستعتمد حماية مستقبلنا قبل فوات الأوان على ما إذا كان كل واحد منا- كل دولة- على استعداد لتلبية متطلبات هذه اللحظة.

وكما قلت سابقًا، فأنا والرئيس أوباما نتفهم تمامًا وجهات نظر العديد من الدول النامية عندما يتعلق الأمر بالتلوث الكربوني. إننا نتفهمه.

ويمكنني أن أؤكد لكم: ليس هناك في التاريخ أي رئيس قد ركز اهتمامه بهذا القدر على احترام مسؤوليات الولايات المتحدة أكثر من باراك أوباما. هناك سبب أن هذه القضية تحتل رأس جدول أعماله حين يجتمع مع قادة الدول الممثلة هنا اليوم. لأنه يعتبر هذا بمثابة أولوية قصوى– ينبغي السعي لمعالجتها في جميع المنتديات، وبجميع الأدوات المتاحة لديه، وعبر كامل مستويات حكومته.

بفضل السياسات التي وضعها الرئيس أوباما، باتت انبعاثات الولايات المتحدة الآن أقل مما كانت عليه خلال عقدين من الزمن. لقد ضاعفنا المسافة التي ستجتازها سياراتنا في الغالون الواحد من البنزين بحلول العام 2025. وضاعفنا توليد الطاقة من الرياح ثلاث مرات. كما ضاعفنا توليد الطاقة الشمسية 300 مرة. أيضًا قلصت الولايات المتحدة تلوّث الكربون الإجمالي لدينا أكثر من أي بلد آخر على وجه الأرض. ولا داعي لأن يشك أي أحد في التزامنا بتحقيق أهدافنا، أو قدرتنا على القيام بذلك.

ولكن كما قلت مرات عديدة: ليس هناك بلد واحد- ولا حتى الولايات المتحدة، وهي أكبر اقتصاد وباعث للتلوّث في العالم، سوية مع الصين– إنهما أكبر باعثين لكمية الغازات، نحو 40 بالمئة تقريبًا- لا يمكن لدولة واحدة أن تحل هذه المشكلة أو تدفع الفاتورة لوحدها. وهذا ليس مجرّد كلام خطابي. إنه شيء من المستحيل القيام به من الناحية الواقعية.

فالواقع هو أنه حتى لو استخدم كل مواطن أميركي الدراجة الهوائية للذهاب إلى العمل، ولو استخدم كل واحد منهم سيارات مشتركة للذهاب إلى المدرسة، ولم يستخدموا سوى الألواح الشمسية لتزويد منازلهم بالطاقة- إذا غرس كل واحد منا أكثر من عشر أشجار- وإذا أزلنا بطريقة ما جميع انبعاثاتنا المحلية من غازات الاحتباس الحراري– احزروا ماذا سيحدث؟ لن يكون ذلك كافيًا لمعالجة التلوث الكربوني الصادر من بقية العالم. إذا خفضت جميع الدول الصناعية انبعاثاتها إلى الصفر- تذكروا ما قلته للتو– إذا خفضت جميع الدول الصناعية انبعاثاتها إلى الصفر، فإنه لن يكون كافيًا- ليس عندما تصدر أكثر من نسبة 65 بالمئة من التلوث الكربوني من العالم النامي. والآن، نحن لا نوجه أصابع الاتهام. هذه ليست مسألة إلقاء اللوم على الغير. إنه شيء يعكس الممارسات التي بدأت خلال الثورة الصناعية التي تبناها الجميع، ولكننا نحن هنا لتغيير ذلك. بغض النظر عما يقوم به نصف العالم من إجراءات لتنظيف ممارساته، فإذا لم تتخذ خطوات مماثلة من جانب بقية العالم، فإن الأرض ستستمر في مواجهة مشكلة.

فيزياء الغلاف الجوي واضحة: التلوث الكربوني هو تلوث كربوني- ويلحق الضرر نفسه سواء كان مصدره من بالتيمور أو بكين، من كالكوتا أو كيب تاون.

لذلك علينا جميعًا أن نكون أكثر ذكاءً بشأن المستقبل، وهذا هو بالضبط السبب الذي جاء بنا جميعًا إلى باريس هذا الأسبوع.

وخلال العام الماضي، لا بد لي من أن أقول لكم، كان حقًا وضعًا استثنائيًا. لقد كان مؤثرًا أن نرى مستوى المشاركة حول المناخ من الدول حول العالم. 186 دولة- وهو ما يمثل أكثر من 95 بالمئة من الانبعاثات العالمية– وهناك بعض الغائبين من أمكنة مثل سوريا، حيث تسود الاضطرابات، وليبيا التي ليس لديها حكومة، وكوريا الشمالية. أعني، فكروا في ذلك. لقد أعلنت، هذه الدول، أهدافها الفردية لتخفيض الانبعاثات، بما في ذلك الغالبية العظمى من البلدان النامية التي انضمت إلى هذا الجهد. وهم يستحقون تقديرًا هائلًا لقيامهم بذلك. ولكن يبقى علينا الآن تلبية تلك الأهداف.

أعرف أن ذلك يبدو صعبًا للوهلة الأولى- يبدو من الصعب ترشيد الاستثمار في الطاقة النظيفة عندما يكون اقتصادكم مرهقًا بالفعل، عندما يكون لديك الملايين، عشرات الملايين، مئات الملايين من الناس الفقراء، وعندما تبدو مصادر مثل الفحم والنفط أرخص ثمنًا وتبدو أقرب إلى متناول اليد، على الأقل في المدى القريب.

ولكن إليكم هذه الحقيقة: الحقيقة هي أنه على المدى الطويل، سوف تكون الطاقة ذات الكثافة الكربونية أحد أكثر الاستثمارات كلفة يمكن لأي حكومة أن تدفعها.

ولهذا السبب، في الولايات المتحدة، أوقفنا أي تمويل حكومي إلى أنواع معينة من محطات توليد الطاقة القائمة على الكربون وعلى الفحم، لأن فاتورة الطاقة المستمدة من الكربون تشمل أكثر بكثير من تكاليف بناء وتشغيل محطة لتوليد الكهرباء. غير أن ذلك لن يظهر في الميزانية العامة. ودراسات تقييم الكلفة الصحيحة عليها أن تأخذ في حسابها العوامل الخارجية- التي، في حالة تغير المناخ، كانت كافية على الأقل لمضاعفة أو التكاليف المبدئية مرتين أو ثلاث مرات. لذلك فإننا لا ننظر إلى مجرد ستة سنتات. إنما ننظر إلى مضاعفة التكاليف مرتين أو ثلاث مرات.

على سبيل المثال، عليك أن تشمل ثمن التدهور الذي لا يمكن تصوره في الزراعة والبيئة، وفي فواتير المستشفيات لعلاج الربو، لمرضى انتفاخ الرئة، والملايين من الوفيات التي ترتبط بتلوث الهواء الناجم عن استخدام الوقود الأحفوري. عليك أن تشمل تكلفة إعادة البناء بعد العواصف المدمرة والفيضانات. فخلال الفترة التي توليت فيها منصبي وزيرًا للخارجية في العام 2013 فقط، اضطرت الولايات المتحدة لإنفاق حوالى 160 بليون دولار عقب ظواهر جوية حادة، 160 بليون دولار خلال أقل من ثلاث سنوات.

هذه مجرد لمحة خاطفة حول ما هو آت لنا جميعًا: صيانة البنية التحتية في مواجهة ارتفاع مستوى مياه البحار، والعواصف الأقوى، وانقطاع التيار الكهربائي، والخسائر في إنتاجية العمال بسبب الحرارة الشديدة- والقائمة تطول وتطول. وكل هذا وأكثر منه ينبغي إضافته إلى كلفة استمرار الاعتماد على مصادر الطاقة العالية الكربون.

ليس هناك أدنى شك بأن تكاليف السعي وراء الطاقة النظيفة هو أقل كلفة بكثير الآن، وتستمر في الانخفاض– بالمقارنة مع بدائل اليوم، ولكنها أقل كلفة بكثير من عواقب تغير المناخ في وقت لاحق.

وإنما بالنسبة للبلدان النامية، إنني أقر بأن الكلفة ليست سوى جزء من المعادلة. إنها جزء واحد فقط. الدول النامية لا تملك الوسائل نفسها أو القدرات التي تملكها الدول الأخرى، أو إمكانية الوصول إلى نفس التكنولوجيات. لهذا السبب ينبغي على الدول الأكثر ثراءً من بيننا أداء دورها للمساعدة في حشد التمويل، وبناء القدرات، للمساعدة في جعل التكنولوجيا المنخفضة الكلفة متاحة– وسوف تستمر الولايات المتحدة في القيام بذلك وعلى مستويات أفضل.

لقد تميز مؤتمر كوبنهاغن باتخاذ خطوة كبيرة في هذا الجهد عندما التزمت الدول بحشد 100 بليون دولار سنويًا بحلول العام 2020. ونبقى على التزام تام بذلك ونحن نحرز تقدمًا جيدًا.

ولكن الحقيقة هي أن ذلك ما هو سوى مجرّد قطعة واحدة من الكعكة.

إن ما يحدث في القطاع الخاص ليس أقل من استثنائي. إنه مثير للإعجاب وحاسم. على الصعيد الدولي، بلغ التمويل من القطاع الخاص لمشاريع المناخ حتى الآن- قبل التوصل إلى اتفاق– نحو 650 بليون دولار سنويًا. والتزمت مصارف عديدة باستثمار بلايين أخرى، في حال برزت الفرصة المناسبة لتنفيذ مشاريع. أعلنت مجموعة سيتي غروب مؤخرًا عن الالتزام بأكثر من 100 بليون دولار سنويًا على مدى العقد القادم، وبذلك مضاعفة المبلغ الذي كانت قد رصدته بالأصل كهدف في العام 2007. وأعلن بنك أوف أميركا مؤخرًا عن التزامه بإنفاق 125 بليون دولار خلال العقد القادم، مضاعفًا بذلك ثلاث مرات الهدف الذي وضعه فقط منذ عدة سنوات. والتزم مصرف غولدمان ساكس بمبلغ يصل إلى 100 بليون على مدى العقد القادم أيضًا.

ومن أجل إطلاق العنان لمزيد من الاستثمارات، تلتزم الولايات المتحدة بالعمل مع البنك الدولي والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى من أجل الاستفادة من خبراتهم وحشد القطاع الخاص للمساعدة في بناء أسواق الطاقة المتجددة اليوم وغدًا.

فإذا كان لنا أن نرسل الإشارات الصحيحة- إذا اتخذنا الخيارات الصحيحة– فإن القطاع الخاص سوف يقدم ما وعد به. لماذا؟ لأن الطاقة النظيفة لا تشكل الحل لمشكلة تغيّر المناخ وحسب. إنها أيضًا واحدة من أعظم الفرص الاقتصادية التي عرفها العالم: بحلول العام 2035، سوف يصل الطلب على الاستثمار في الطاقة إلى حوالى 50 تريليون دولار- والكثير من ذلك سيكون في الطاقة النظيفة. فكروا في فرص العمل- الوظائف التي سيجري خلقها- الملايين الذين سينتشلون من هوة الفقر- في كل ركن من أركان المعمورة بسبب هذا التحول. سوق يضم حوالى 4 إلى 5 بلايين نسمة اليوم، سينمو ليصل إلى 9 بلايين نسمة على مدى الـ 30، 40، 50 سنة القادمة.

لذلك عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد، لا يواجه أي بلد الاختيار بين ما هو سيء وما هو أسوأ. على الإطلاق.

الآن- في خضم هذه المفاوضات– من الممكن أن نشعر أحيانًا بأن الأشياء لم تتغير منذ 20 عامًا، وكما ذكرت في وقت سابق حول المسلسلات التلفزيونية. إلا أن الحقيقة هي أننا بينما كنا نناقش كيفية جعل العالم يجتمع معًا لمكافحة تغير المناخ، كان قطاع الطاقة النظيفة يتزايد بمعدل لا يصدق من تلقاء نفسه.

إذا أخذنا في الاعتبار الوقت منذ اجتماعنا في كوبنهاغن في المؤتمر الخامس عشر لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فسنرى أن سعر الطاقة الشمسية قد انخفض بنسبة تزيد على 80 بالمئة، وأن القدرة الإنتاجية قد ارتفعت بنسبة تربو على 500 بالمئة.

الحكمة التقليدية المستخدمة للتساؤل عما إذا كانت– نظرًا للقيود على القدرة الإنتاجية وخطوط نقل الكهرباء– مصادر الطاقة المتجددة حتى مجدية في الأسواق الناشئة.

حسنًا، اليوم، في العديد من الأسواق الناشئة، لم تعد الطاقة النظيفة ممكنة فحسب– إنما باتت في الواقع أكثر أمانًا، وأكثر أمنًا، ونعم- أرخص وسيلة لتوفير الطاقة إلى المجتمعات الأهلية.

والآن، هناك عدد من الدول النامية التي تستفيد من موارد طبيعية استثنائية. إننا نعرف ذلك. وبعضها يقع نسبيًا بالقرب من خط الاستواء، وهي غنية بالموارد التي لا تحتاج للحفر لاستخراجها من الأرض وليست ملوثة على الإطلاق– إنها تدعى أشعة الشمس. وبلدان أخرى تشهد بانتظام رياحًا قوية، خاصة على طول سواحلها. ودول أخرى، مثل كينيا وتشيلي، تقع على طول الصفائح التكتونية حيث يشكل تطوير المزيد من الطاقة الحرارية الجوفية خيارًا واعدًا.

وجدت دراسة حديثة أن الطاقة النظيفة تنمو أسرع بمعدل مرتين في العديد من الدول النامية مما هي عليه في الدول الغنية، ولا يمكن أن يكون هناك سوى سبب واحد لذلك- الطاقة المتجددة منطقية اقتصاديًا، ومنطقية بيئيًا، ومنطقية صحيًا.

وهكذا، فإن عالم الطاقة بدأ يتحول بالفعل إلى حد هائل. فقبل عام، خلال أيلول/سبتمبر الماضي، دعا الرئيس مودي- ليس الرئيس مودي- رئيس الوزراء مودي، قادة العالم من أجل وضع هدف “كبير جدًا” من أجل تكنولوجيا الطاقة النظيفة. حسنًا، لقد سمعنا ما قاله. وفي اليوم الأول من هذا الاجتماع، أطلقت الولايات المتحدة وفرنسا والهند و17 دولة أخرى برنامج “بعثة الابتكار”، وهو أكثر البرامج طموحًا على الإطلاق لأبحاث وتطوير الطاقة النظيفة بين القطاعين العام والخاص. تعهدت دولنا العشرون- المسؤولة بصورة جماعية عن أكثر من 80 بالمئة من الأبحاث والتطوير حول الطاقة المتجدّدة- بمضاعفة ميزانياتها في هذا المجال على مدى السنوات الخمس المقبلة. بالنسبة للولايات المتحدة، هذا يشمل زيادة الاستثمار في مجال الأبحاث والتطوير بما يزيد عن 5 بلايين دولار سنويًا. وانضمت إلينا مجموعة من 28 بليونيرًا مستثمرًا بقيادة بيل غيتس، والتزموا جميعهم بإنشاء استثمارات من القطاعين الخاص والعام- مبادرة استثمارية بين القطاعين العام والخاص للأبحاث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة المشتركة. والآن، جنبًا إلى جنب مع التحالف الدولي التقدمي للطاقة الشمسية الذي أنشأته الهند، والذي أعلن عنه في اليوم نفسه، بات لدى هذه المبادرة القدرة على خلق اختراقات تكنولوجية من شأنها أن تدفع هذا التقدم إلى الأمام.

 

من المهم جدًا أن نلاحظ أن هذه المبادرات– لا تشكل جزءًا من الاتفاق. فقد جرى تصميمها وإنشاؤها لاستكمال أي اتفاقية نتوصل إليها هنا. تم إنشاؤها لتكون مصدر إلهام لنا لإنجاز عملنا على طاولة المفاوضات وإرسال تلك الرسالة إلى السوق التجارية. وبينما نفعل ذلك، ينبغي علينا أن نفكر في كل فرصة متاحة لإقامة شراكات من حول العالم من أجل تخفيف من الانبعاثات وزيادة القدرة على الصمود. وعليكم أن تتخيلوا أين ستتوجه التكنولوجيا الخضراء- القطاع بأكمله، أين سيتوجه على مدى خمس سنوات أخرى، أو خلال العشر سنوات أو العشرين سنة القادمة. كل ما عليكم فعله هو أن تنظروا إلى الطريق الذي اجتزناه وعند ذلك يمكنكم البدء في فهم ذلك.

والآن، إليكم هذه القصة القصيرة: لقد خدمت أنا كعضو في لجنة الاتصالات للجنة التجارة في مجلس الشيوخ الأميركي. أعدنا كتابة قانون الاتصالات لبلادنا في العام 1996. كان هذا قبل 20 عامًا. وكنا نحن- على الرغم من أن شبكة الإنترنت كانت فقط في مرحلة بدايتها، لم يكن هناك أحد يفكر في نقل البيانات. كان الجميع يركز اهتمامه على الاتصالات الهاتفية. وخلال فترة زمنية لم تتجاوز السنة أو السنتين، أصبح التشريع بأكمله قديم العهد. هكذا تتحرك الأمور بسرعة. وكلما ازداد التقدم الذي نحققه، كلما ستصبح التعهدات العالمية أكثر طموحًا.

ولذا، هذا ما يقودني إلى النقطة الأخيرة التي أريد أن أشدد عليها حول الاتفاق العالمي: يتعين عليه أن يكون اتفاقًا دائمًا. وهذا يعني أنه يجب أن يزداد قوة مع مرور الوقت. لم نأتِ إلى باريس لبناء سقف يحتوي على كل ما نأمل القيام به على الإطلاق، لقد أتينا إلى باريس لبناء أساس يمكننا البناء عليه وينبغي علينا- جميعًا معا- مواصلة البناء عليه.

والتقدم الذي حققناه- وخاصة في ما يتعلق بالمساهمات المقررة على الصعيد الوطني (INDC)- لم يسبق له مثيل ومشجّع. ولكنه لن يكون كافيًا بمفرده. والأهداف التي أعلنا عنها، أذا أخذت في مجملها، سوف تحقق ثغرة رئيسية في الانبعاثات العالمية– سوف تغير اتجاه المنحنى. لكنها لن تجعل مدى ارتفاع درجات الحرارة يبقى ضمن درجتين مئويتين، وهذا ما يقوله لنا العلماء، مرة أخرى، ما عليه أن يتحقق لمنع حدوث أسوأ التأثيرات- أو أقل من ذلك، حتى لو كان ذلك ممكنًا، عند 1.5 درجة مئوية- إننا نحتاج  لخفض درجة الحرارة إلى أقصى ما يمكننا، كما يطالب بذلك الناس في هذه القاعة.

ولهذا السبب، من المهم جدًا أن نواصل تسليط أنظارنا على أهدافنا وأن نتأكد من أنها طموحة بقدر الإمكان، وأن نفهم ما إذا كنا نحقق تقدمًا أم لا. أن نضع نظامًا لمراجعة أهدافنا وتثبيتها في فترات منتظمة اذا كنا بحاجة إلى ذلك.

ونظرًا إلى الوتيرة السريعة التي ذكرتها للتو بالنسبة لتطوّر التكنولوجيا، من الممكن، خلال خمس سنوات، أن تزداد القدرة المنفردة لأي دولة ما بدرجة كبيرة. تقع على عاتق كل واحد منا المسؤولية تجاه عائلاتنا، وأصدقائنا ومواطني كل بلد كمواطنين عالميين في كل ركن من أركان المعمورة– تقع على عاتقنا المسؤولية تجاه الأجيال التي ستتبع خطانا للتأكد من أننا لا نقوم فقط بكل ما بوسعنا، إنما ندرك تمامًا أيضًا ما يمكننا القيام به. وهذا يعني إجراء إحصاء روتيني لتقييم التقدم الذي نحققه والفرص التي نفقدها. وهذا يعني مراجعة، وفي بعض الحالات تقوية أهدافنا للتأكد من أن الأهداف تمثل تطورات حتمية في مجال التكنولوجيا. وهو ما يعني إبقاء أعيننا مسلطة على الكرة لفترة طويلة بعد انتهاء هذا المؤتمر، وهذا ينطبق على الجميع. فكل من ساهم في تحقيق هذا الزخم الذي لا يصدق الذي نشاهده اليوم، ينبغي عليه أن يستمر في هذه العملية. وتحقيقا لهذه الغاية، سوف أواصل شخصيًا عقد الاجتماعات، كما فعلت، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدى العامين الماضيين- وسوف أستمر في الاجتماع مع وزراء الخارجية لمناقشة التقدم الذي نحققه في بلداننا، ولنرى أين يمكننا تحسين جهودنا.

وما يحدث هنا في باريس مهم- لا شك في ذلك- لكنه لا يمثل سوى المقدمة. ولا يمكننا أن ننسى ذلك ولو للحظة.

يمكننا أن نجد وسيلة لاستجماع العزيمة المشتركة التي نحتاجها للتصدي لهذا التهديد المشترك. إنني واثق من ذلك. إنني واثق من أننا نستطيع السمو فوق المناقشات التي تجرنا نحو الأسفل. وسوية لدينا القدرة على التوصل إلى اتفاق طموح نحن بأمس الحاجة إليه.

ليس هناك أي سبب- أي سبب مطلقًا– لأي سبيل آخر من العمل.

والآن، للحظة- للحظة فقط- دعونا نعطي من ينكرون تأثير تغير المناخ الحق في الاستفادة من الشك. لنقل إن 97 بالمئة من الدراسات العلمية تشوبها العيوب. لنقل إن الآلاف من العلماء الذين أصدروا تقارير راجعها النظراء مخطئة في الواقع حول المخاطر المرتبطة بتغير المناخ. اطرحوا على أنفسكم سؤالا: إذا اتخذنا جميع الأعمال اللازمة لتحقيق جميع الأشياء التي تحدثت عنها للتو، ما هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث لنا بسبب  اتخاذ تلك الخيارات والتعامل مع تغير المناخ؟

حسنًا، نستطيع بصورة مطلقة خلق الملايين من فرص العمل الجديدة. يمكننا تعزيز اقتصاداتنا، وبالنسبة لبعض البلدان التي قد تباطأت اقتصاداتها، فإنها تحتاج إلى تكون لديها الدفعة. إنها بحاجة الى رأس المال الذي يتدفق من الاستثمارات في مجال الطاقة. ونحن سوف نرى سكانًا أفضل صحة، وأطفالًا أكثر صحة. من أهم الأسباب لدخول الأطفال إلى المستشفيات في الولايات المتحدة خلال فصل الصيف، الذي يكلف بلايين الدولارات، هو الربو الناجم عن البيئة. يمكننا توفير البلايين من الدولارات في تكاليف الرعاية الصحية، وسيكون أمننا الاجتماعي- أمننا العالمي أقوى وأكثر استدامة نتيجة لكل تلك التدابير التي سنتخذها. مساهمة كبيرة في الاستقرار العالمي. هذا، يا أصدقائي، هو الأسوأ الذي يمكن أن يحدث لنا إذا اتخذنا هذه الخيارات.

ولكن على الجانب الآخر من دفتر الحساب، إذا كان العلماء على حق وكان المشككون على خطأ، فإننا نواجه كارثة. الأمر بهذه البساطة. وهذا هو الخيار. يا أصدقائي هنا في باريس الآن، لدينا أندر الفرص المتاحة لتغيير العالم في الواقع، لتحسين حياة الملايين من الناس. وخلال الساعات القليلة القادمة، علينا أن نعمل كما لم نعمل في أي وقت مضى، لكي لا ندع هذه الفرصة تفلت من أيدينا. ينبغي علينا القيام بكل ما يلزم لإجراء المحادثات الصعبة التي ينبغي علينا إجراؤها، لتقديم التنازلات التي يتوجب علينا اتخاذها، وإعطاء العالم الاتفاق الذي يستحقه ويطالب به. وفي حين أن كل دولة عليها أن تتخذ قراراتها الخاصة، فإن هذا ليس قرارًا يخص كل دولة بمفردها. إنما هو قرار يتعلق بنا جميعًا ويتعلق بمستقبل هذا الموطن الذي يجمعنا.

إن مهمتنا واضحة. ولحظتنا هي الآن. دعونا ننجز هذه المهمة. وشكرًا جزيلًا لكم. (تصفيق.)