لقد خلق عرض مسلسل مناورة الملكة (Queen’s Gambit) إلى جانب جائحة كرونا ظاهرة كان لها تأثير مزلزل على شعبية لعبة الشطرنج التي بدأت ممارستها قبل زهاء 1500 سنة.
لم يسبق منذ حوالى خمسة عقود مضت، عندما اجتذب أستاذ لعبة الشطرنج الأميركي بوبي فيشر حماس البلاد قاطبة بمباراته ضد الروسي بوريس سباسكي، وأن حظيت لعبة الشطرنج بهذا القدر من الحماس الشعبي في أميركا.
يقول مارتي غروند، رئيس نادي الشطرنج على الإنترنت، وهو موقع على الإنترنت يتيح للاعبين تبادل الحوار والحصول على أخبار الشطرنج واللعب على الإنترنت: “لربما كان لمسلسل مناورة الملكة التأثير الأكبر على مدى روعة اللعبة منذ ذلك الحين.”
كما شهد موقع آخر على الإنترنت يسمى chess.com زيادة في عدد الأعضاء المنضمين إليه؛ إذ ارتفع عددهم من 30 مليون عضو قبل الجائحة إلى 69 مليون عضو الآن، وفقا لما ذكرته لورا نيستروم، المتحدثة باسم الموقع. ومنذ آذار/مارس 2020، ظل الموقع يستضيف مليون لاعب نشط يوميا في المتوسط. أما الآن، فقد وصل هذا العدد إلى 4 ملايين يوميا.

ويقول دانيال لوكاس، المتحدث باسم الاتحاد الأميركي للعبة الشطرنج، وهو الهيئة الإدارية الرسمية في الولايات المتحدة، “كان الناس عالقين في منازلهم.” ولكن لعبة الشطرنج أيضا، كما يقول، أصبحت أكثر شعبية حيث اكتشف الناس أنها تمثل نشاطا عائليا رائعا؛ حيث “من السهل على الآباء تعليم الأطفال (كيف يلعبونها)، ويمكن أن يكون هناك تكافؤ بسرعة. إنها تمثل عددا لا ينضب من الألعاب- إنها تقارب عدد الذرات في الكون. ويمكنك دائما أن تتحسن”.
التغييرات الحاصلة في مباريات البطولة
كانت جائحة فيروس كورونا عبارة عن سيف ذي حدين بالنسبة للعبة الشطرنج. فقد ألغيت البطولات الشخصية لردح كبير من فصول السنة وأغلقت نوادي الشطرنج المدرسية مع تحول المدارس إلى التعلم الافتراضي لكن لاعبي الشطرنج المنهكين العالقين في المنازل نفضوا الغبار عن لوحات لعبة الشطرنج الخاصة بهم أو قاموا باقتناء لوحات جديدة. وقد تدفق لاعبون جدد على مواقع مباريات لعبة الشطرنج على الإنترنت.
وبدأ القائمون على مواقع لعبة الشطرنج يستضيفون المزيد من البطولات افتراضيا- ومعالجة مشكلة اللاعبين القابعين أمام شاشات أجهزة الكمبيوتر الذين تتوفر لهم إمكانية الوصول إلى عدد لا يحصى من البرامج مما يمكن أن ترشدهم على الفور إلى أذكى خطوة يقومون بها في اللعبة. (حتى جهابذة لعبة الشطرنج يمكن أن يخسروا أمام الكمبيوتر.)
وأفاد غراند أن نوادي لعبة الشطرنج على الإنترنت باتت تطبق خوارزميات تقارن اللعب البشري بقرارات الكمبيوتر من أجل مساعدة المشرفين على البطولات على التخلص من الغش من قبل بعض اللاعبين من ذوي المهارات التكنولوجية الرفيعة.
تجذب الإنترنت الناس لمشاهدة مباريات أفضل اللاعبين وتربط اللاعب الأكثر نموذجية مع خصم من مستوى مهاراتهم من أي مكان حول العالم لخوض مباراة رقمية.
مشدودون إلى الشاشات الصغيرة

بعد ذلك، في الخريف الماضي، أصدرت شركة نتفليكس [Netflix] مسلسلها الخيالي عن بيث هارمون، وهي طفلة عبقرية تلجأ إلى لعب الشطرنج وممارسة السلوك السيئ بالقدر نفسه. وبمساعدة استشارات عالية المستوى تتعلق بالشطرنج، أنتج المسلسل مباريات في اللعبة مشوقة وواقعية.
شهد متجر ’هاوس أوف ستانتون‘ [House of Staunton]، أكبر متجر للبيع بالتجزئة متخصص في الشطرنج في الولايات المتحدة، نمو مبيعاته في جميع أنواع مجموعات الشطرنج بنسبة 25٪ خلال هذه الفترة، وفقا لرئيسه، شون سوليفان.
في أحد أيام الإثنين في نهاية تشرين الأول/أكتوبر، سأل مدير المخزن في مركز العمليات في هانتسفيل، ألاباما، عما يحدث بالضبط، إذ كانت الطلبات تتدفق في غضون أيام بعد أن أصبح مسلسل ’ذا كوينز غامبت‘ [The Queen’s Gambit] من العروض التلفزيونية الأكثر مشاهدة. جاءت طلبات مجموعات الشطرنج خلال موسم العطلات في العام 2020 بثلاثة أضعاف المعدل الطبيعي.
يقول لوكاس إن الاتحاد الأميركي للشطرنج لاحظ أنه بينما يبدأ الأطفال الصغار في الاهتمام بالشطرنج، فإن العديد من الفتيات يتخلين عن اللعبة في المدرسة الإعدادية، ربما بسبب عوامل اجتماعية. كان الاتحاد يعمل على تغيير ذلك من خلال إقامة الفعاليات المخصصة للفتيات فقط وتقديم المنح للمنظمات لتحفيز لعب الشطرنج بين الفتيات.
ويقول سوليفان إن المسلسل كان بمثابة “عاصفة نارية.” لقد اجتذب مسلسل ’ذا كوينز غامبت‘ [The Queen’s Gambit]، ببطلته الأنثى، النساء والفتيات إلى اللعبة التي يهيمن عليها الذكور تقليديًا.
وقفز عدد النساء المسجّلات في موقع الشطرنج [Chess.com] بنسبة 10٪ تقريبًا.
تقول نيستروم “كان من المعتاد أن يكون الشطرنج دعامة لمشهد في فيلم لجيمس بوند. الآن نرى أشخاصًا يبلغون من العمر 20 عامًا، وشخصيات رياضية، ونساء … المزيد من الناس يمكن أن يكونوا معجبين باللعبة.”
ويشعر سوليفان بالتفاؤل بأن الحب المكتشف حديثًا للشطرنج ليس بدعة عابرة. ففي حزيران/يونيو من هذا العام، كانت المبيعات لا تزال أعلى مما كانت عليه في ذروة التسوق في موسم الأعياد في العام 2019. وقال “الناس متمسكون به.”