ما هي طبيعة العيش مع غرباء من 28 دولة؟

D.A. Peterson
الكاتبة المسرحية الأرجنتينية سينثيا إيدول، إلى اليسار، والكاتبة ناتاشا تينياكوس، إلى اليمين (D.A. Peterson)

“كانت تلك لحظة أعتز بها كثيرًا”، هذا ما قالته الشاعرة الفنزويلية ناتاشا تينياكوس، وهي تتأمل في تجربتها خلال إقامتها التدريبية في برنامج الكتّاب الدوليين في ولاية أيوا، لدى وشك انتهاء البرنامج.

 وتلك اللحظة كانت في بداية البرنامج. كان الكتّاب التسعة والعشرون القادمون من بلدان عديدة قد شرعوا للتوّ بالاختلاط الاجتماعي سوية. تجمّع معظمهم في القاعة المشتركة في بهو فندقهم. بدأ الكاتب اليوناني بالغناء في حين رقص الكاتب الأفغاني مع زميله الإسرائيلي وكانت الكاتبة السورية تتحدث مع الكاتب العراقي والكاتبة الكورية الجنوبية  بينما الآخرين كانوا يقرأون قصائد بعضهم البعض بلغاتهم الأم أو  صور أفراد عائلاتهم.

 قالت الكاتبة تينياكوس: “لقد تبيّن لي  في تلك اللحظة بالتحديد أنه لا وجود للنزاعات في تصوري الخاص للعالم.” والواقع أن أشعارها تُردد صدى ذلك الجمال الذي تجده في مثل تلك اللحظات العابرة:

ليس ثمّة حقيقة لا قيمة لها

لقد ضغطنا على دواسة سرعة اللحظة

وتشبّثنا ما استطعنا بالوقت المنفلت منا

في عامه السابع والأربعين، تمكَّن برنامج الكتّاب الدوليين من اجتذاب مجموعة أنيسة ومسامرة من الكتّاب والكاتبات للإقامة السنوية لثلاثة أشهر. في كل عام، يتغير المشاركون وتتغير معهم أجواء البرنامج. قالت كريس مريل، مديرة البرنامج: ” هذا نوع من العالم الحقيقي الذي كان قائمًا قبل وقت طويل من ظهور مسلسل أم تي في”، في إشارة منها إلى مسلسل مشهور يتضمن لقطات تحاكي الواقع ويُعرض على إحدى القنوات التلفزيونية الأميركية. 

المكان الذي يجتمع فيه المشاركون في ورشة عمل الكتاب الذي تنظمه جامعة أيوا. (AP Photo/Linda Kahlbaugh)
المكان الذي يجتمع فيه المشاركون في ورشة عمل الكتاب الذي تنظمه جامعة أيوا. (AP Photo/Linda Kahlbaugh)

وباستثناء أنه في مدينة أيوا، وبدلاً من مجرد وضع حفنة من الناس في عقدهم الزمني الثالث تحت سقف واحد، فإن هؤلاء المقيمين تتراوح أعمارهم بين 26 و60 عامًا، وهم من النجوم البارزين في المشهد الأدبي العام لبلدانهم، وقد نشر كلّ منهم كتابًا واحدًا على الأقل. كما يمكنهم قضاء وقت إقامتهم لمدة ثلاثة أشهر بالطريقة التي يختارونها- الأبحاث، الكتابة، التفكير أو الاستكشاف – وكل ذلك في المسكن ذاته في حرم جامعة أيوا. (علمًا أنهم جميعًا لديهم عدو واحد وهو الضوضاء الصادرة عن أشغال البناء في الجوار).

أما فرانكا تروِر، التي تمَّ تحويل روايتها الأكثر مبيعًا في هولندا بعنوان “وريقات ملوّنة منثورة على أرض البيدرإلى فيلم سينمائي، فقد قالت “إن القيام بأشياء مشتركة في الحياة مع أناس من كل مكان في العالم أمر مثير للاهتمام الجدّي. ولكوني كاتبة، فإن التفاصيل هي التي جذبت اهتمامي….. تناول الطعام سوية، غسل الملابس، وحتى مشاهدة بعض الناس وهم يستعملون آلة صنع القهوة لأول مرة.”

وتعتقد  الكاتبة تروِر أن البرنامج “كان  تجربة محلية وعالمية في الوقت نفسه، مترسخة الجذور في بلدة صغيرة في الغرب الأميركي الأوسط، التي تعطي فكرة عن الحياة الأميركية الحقيقية، إلا أنك تتقاسمها مع أناس من كل مكان.”

فرانكا تروِر. (D.A. Peterson)
فرانكا تروِر. (D.A. Peterson)

كانت أحاديث الكتّاب في سهراتهم الليلية تدور حول الكتب، والموسيقى والسياسة، والتجارب الشخصية عن التمييز العنصري والكآبة وامور أخرى. والجدير بالذكر أيضًا أن بعض الكتّاب لم يقيموا قط من قبل صداقات مع شخص من الجنس الآخر ولم تُسنح لهم الفرصة للقاء شخص مثلي يجاهر بميوله الجنسانية.

لقد تشكلت الصداقات بسرعة بين الذين يتكلمون نفس اللغة الأم؛ إنما، وفي نهاية المطاف، تكونت صداقات حميمة، وحتى بعض العلاقات الرومانسية، التي تمَّ التعبير عنها باللغة الإنجليزية بين الناطقين بلغات أخرى.

وبالنسبة لكل من ترور وتينياكوس والعديد من الكتاب الآخرين، فإن الكثير مما رأوه وشعروا به سوف يشكل مادة خصبة لمشاريعهم الأدبية المستقبلية – ليس فقط في التفاصيل المتعلقة ببلدة أميركية صغيرة في الغرب الأوسط، إنما أيضًا في أنواع الشخصيات التي قد يستمدونها من أناس قادمين من مختلف أنحاء العالم.

ثم خلصت تينياكوس إلى القول: “لقد أزلنا الحدود القائمة بين ثقافاتنا. ولا أعتقد أنني سأعود إلى بلدي وأبقى الشخص نفسه.”