يبدأ موسم أعياد فصل الشتاء في الولايات المتحدة في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر ويمتد حتى أوائل كانون الثاني/يناير، وهو وقت يخصّص فيه الأميركيون وقتًا إضافيًا يجتمعون فيه مع الأهل والأحبّة والأصدقاء– والتعبير عن شكرهم وامتنانهم على نعمة الحياة الرغدة.
موسم التعبير عن الشكر وتقديم الهدايا
يمثل عيد الشكر، الذي يُحتفل به في كل عام يوم الخميس الأخير من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، البداية الرسمية لموسم الأعياد. إنه يوم يجتمع فيه الأميركيون مع أفراد عائلاتهم البعيدين عنهم، ويتشاركون في تناول الأطعمة الأميركية التقليدية وينعمون بوقت للراحة من جداول الأعمال الحافلة بمشاغل الحياة. يقطع الملايين من الأميركيين في كل عام آلاف الكيلومترات لكي يلتم شملهم مع أفراد العائلة والأهل والأحبة والأصدقاء، لتناول الطعام الذي يتضمن عادة الديك الرومي المشوي، مع الحشوة، وصلصة التوت البري والبطاطا المهروسة والمرق، والبطاطا الحلوة وفطيرة اليقطين.
وبعد تناول وجبة العشاء يجتمع عشاق الرياضة في عموم البلاد في المنازل لمشاهدة مباريات كرة القدم على الطريقة الأميركية التي تقام في يوم عيد الشكر.

ولكن عيد الشكر لا يقتصر على الاحتفالات وتناول الوجبات الشهية، بل إنه أيضًا يمثل مناسبة يتطوّع فيها الآلاف من الأميركيين لمساعدة المحتاجين.
إذ يشارك الأميركيون من جميع المناحي، الكبار والصغار والنساء والرجال والرياضيون المحترفون وتلامذة المدارس، في تقديم العون والمساعدة للمحتاجين في يوم عيد الشكر.

آخذين في اعتبارهم حسن حظهم، يبادر الأميركيون من المحيط إلى المحيط- بمن في ذلك الرئيس أوباما وأفراد أسرته– إلى إعداد وجبات طعام عيد الشكر التقليدية في مراكز المجتمعات الأهلية وفي الكنائس وتقديمها للمساكين. ويتبرّع آخرون إلى الجمعيات الخيرية لإطعام الجائعين، أو يتنافسون في سباقات ماراثونية لجمع التبرعات التي تستفيد منها بنوك الأغذية المحلية.
وكما هو الحال بالنسبة لعيد الشكر، يحفز اقتراب عيد الميلاد الذي يُحتفل به في 25 كانون الأول/ديسمبر من كل عام، العديد من الأميركيين وحتى غير المتدينين منهم، على تقديم العطاء للآخرين. ففي كل عام، يتبرّع الأميركيون بملايين الدولارات وملايين من ساعات العمل التطوعي لمساعدة المحرومين خلال موسم أعياد الشتاء.

وعيد الميلاد المجيد هو المناسبة التي يحتفل بها المسيحيون بميلاد السيد يسوع المسيح قبل 2000 سنة، وفي الولايات المتحدة – كما هو الحال في البلدان الأخرى– يشارك المؤمنون منهم في القداديس في الكنائس. ويتبادل معظم الأميركيين، بمن في ذلك غير المسيحيين، الهدايا، مثل الكعك المصنوع في المنزل وغيره من الحلويات الشهية. في العديد من المدن الأميركية، يتجوّل في ليلة عيد الميلاد منشدو التراتيل الدينية في الأحياء السكنية أو يحتشدون في الساحات العامة، لأداء التراتيل الدينية التقليدية وإدخال البهجة والسرور إلى قلوب الناس.
وفي شهر كانون الأول/ديسمبر، يضيء الرئيس شجرة عيد الميلاد القومية في واشنطن في احتفال مفتوح لعامة الناس. وخلال هذا الشهر، يكون البيت الأبيض مزينًا بأكاليل الصنوبر الخضراء والعديد من أشجار عيد الميلاد- كل واحدة منها مزينة بزينة مصنوعة يدويًا على يد حرفيين من كل منطقة من مناطق الولايات المتحدة.

يفتح البيت الأبيض أبوابه أيضًا أمام الأميركيين من جميع مشارب الحياة لكي يتجولوا في الغرف العامة المزينة خصيصًا للمناسبة. وأولئك الذين لا يستطيعون السفر إلى واشنطن، يمكنهم مشاهدة زينة العيد من خلال الموقع الإلكتروني webcam.
الشعب الأميركي: شعب ينتمي أبناؤه إلى ديانات وتقاليد عديدة
يعتنق الأميركيون العديد من الديانات، وموسم أعياد الشتاء في الولايات المتحدة يحتضن كل هذا التنوع.
عطلة عيد حانوكا اليهودي، الذي يتراوح موعده بين أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر وأواخر كانون الأول/ديسمبر (يتغير موعده من سنة إلى أخرى حسب التقويم العبري)، يشير هذا العيد إلى ذكرى تدشين هيكل سليمان من جديد في القدس منذ أكثر من 2000 عام. يمتد الاحتفال بعيد حانوكا ثماني ليالي وثمانية أيام، ويحتفل به بإضاءة الأنوار على شمعدان بتسعة فروع يسمى بالعبرية مينوره.

وتشمل احتفالات عيد حانوكا ممارسة لعبة درايديل (لعبة حظ تستعمل خذروف، أو بُلبل، من أربعة جوانب نُقش عليها أحرف عبرية)، وتناول أطعمة مثل الدونات واللاتكيس (أقراص البطاطا)، وكما هو الحال في عيد الميلاد- يتبادلون الهدايا.

يضاء شمعدان حانوكا في البيت الأبيض في كل عام، وهي عادة بدأها الرئيس كلينتون في العام 1993. وفي العام 2001، بدأ الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إقامة حفلات سنوية بمناسبة عيد حانوكا في البيت الأبيض، وتواصلت إقامتها في كل عام.

وكل عام منذ العام 1966، يتواصل الملايين من الأميركيين من أصل أفريقي مع جذورهم الثقافية والتاريخية الأفريقية من خلال الاحتفال بعيد كوانزا خلال الفترة بين 26 كانون الأول/ديسمبر والأول من كانون الثاني/يناير.
يكمن جوهر عيد كوانزا في تكريم الأسرة والمجتمع الأهلي والثقافة، وتحتفل به العائلات من خلال تزيين منازلها بقطع فنية مستلهمة من أفريقيا، وقماش كينتى الأفريقي، وفواكه ترمز إلى المثالية الأفريقية. ويمكن أن تشمل الاحتفالات قرع الطبول والعروض الموسيقية وطقوس إضاءة الشموع، وتبلغ الاحتفالات ذروتها في احتفال يعرف باسم كارامو.
واليوم، بات العديد من العائلات من أصل إفريقي تحتفل بعيد كوانزا إلى جانب الاحتفال بعيد الميلاد.
يُختتم موسم أعياد فصل الشتاء في الولايات المتحدة باحتفالات رأس السنة الجديدة، وعلى الرغم من أن رأس السنة يقع في الأول من كانون الثاني/يناير، إلا أن الاحتفالات تبدأ في الليلة السابقة- ليلة رأس السنة الجديدة.
يستقبل الأميركيون– شأنهم في ذلك شأن الملايين من الناس عبر أنحاء العالم- العام الجديد باعتباره وقتًا يبشر ببدايات جديدة، وأمل بمستقبل أفضل واتخاذ قرارات لتحسين السلوك الذاتي.
وفي ليلة رأس السنة، يقيم الأميركيون الحفلات أو يحضرون الحفلات الموسيقية وعروض الألعاب النارية والتجمعات الخاصة الأخرى. تختلف الاحتفالات من مكان إلى آخر، مع وجود تباينات إقليمية في العادات المعروفة.
ففي تقليد يعود إلى العام 1907، يتابع سكان نيويورك العد العكسي الشهير للساعة حتى حلول منتصف الليل في ساحة تايمز سكوير، حيث يحتشد الآلاف لمشاهدة هبوط كرة بلورية من السماء في الدقائق الأخيرة من العام. ويشاهد الملايين من الأميركيين عبر أنحاء البلاد العد العكسي هذا على شاشات التلفزيون.

لكن سكان إيستون في ولاية مريلاند يسقطون سلطعون بدلاً من كرة الكريستال، إشارة إلى ساحل ولاية مريلاند والمأكولات البحرية الوفيرة فيه. أما في ماونت أوليف، بولاية نورث كارولينا، فيجتمع السكان لمشاهدة هبوط قطعة مخلل متوهجة عملاقة، وفي تمبي، بولاية أريزونا، يحتفل السكان المحليون بإسقاط شريحة تورتيلا عملاقة. وفي بلايموث، بولاية ويسكونسن، تنزل كومة ضخمة من الجبن تكريمًا لاقتصادها القائم على منتجات الألبان في المدينة.
ويتميز رأس السنة الجديد بإقامة المواكب الاحتفالية ومباريات كرة القدم على الطريقة الأميركية في بعض مدن الولايات المتحدة، وكذلك في معظم المجتمعات الأهلية، في حين يكرم أول طفل يولد في يوم رأس السنة بالهدايا ويحوز على تغطية إعلامية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن رأس السنة الجديدة يزخر بالعديد من الطقوس والخرافات التي أتت بها إلى الولايات المتحدة العديد من المجموعات المهاجرة. فعلى سبيل المثال، يُعدّ من حسن الحظ تناول البازلاء السوداء العين في يوم رأس السنة في الولايات الجنوبية، وهو تقليد تعود أصوله إلى آسيا وأفريقيا. في حين يمثل الكرنب (الملفوف) ومخلل الكرنب، الازدهار والحياة الطويلة، وهما مساهمات من أوروبا الشرقية في عشاء رأس السنة.
يعتقد المهاجرون من مختلف الجنسيات بأن الأصوات العالية تبعد الأرواح الشريرة من العام الماضي وتضمن سنة جديدة خالية من الشر. لذلك فإن رفع الضوضاء لاستقبال السنة الجديدة يبقى تقليدًا متأصلاً في احتفالات رأس السنة الأميركية، ويتخذ شكل الألعاب النارية والصفارات وأدوات إصدار الضجيج خلال الحفلات.